للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

ضالّة الإبل، ونحوها، مما لا يجوز التقاطها للتملك، بل إنها تُلْتَقَط للحفظ على صاحبها، فيكون معناه: من آوى ضالّة فهو ضالّ، ما لَمْ يعرِّفها أبدًا، ولا يتملكها، والمراد بالضالّ: المفارق للصواب، وفي جميع أحاديث الباب دليل على أنَّ التقاط اللقطة، وتملّكها لا يفتقر إلى حكم حاكم، ولا إلى إذن السلطان، وهذا مجمع عليه، وفيها أنه لا فرق بين الغنيّ، والفقير، وهذا مذهبنا، ومذهب الجمهور، والله أعلم. انتهى (١).

قال الخطابيّ - رَحِمَهُ اللهُ -: هذا الحديث ليس بمخالف للأخبار التي جاءت في أخذ اللقطة، وذلك أن اسم الضالّة لا يقع على الدراهم، والدنانير، والمتاع، ونحوها، وإنما الضالّ اسم الحيوان التي تَضِلّ عن أهلها، كالإبل، والبقر، والطير، وما في معناها، فإذا وجدها المرء لَمْ يَحِلّ له أن يَعْرِض لها، ما دامت بحال تمنع بنفسها، وتستقل بقوتها، حتى يأخذها صاحبها. انتهى (٢).

وقال الزرقانيّ - رَحِمَهُ اللهُ -: لا حجة في هذا الحديث لمن كره اللقطة مطلقًا، ولا في قوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "ضالّة المسلم حَرَقُ النار"، أخرجه النسائيّ بإسناد صحيح، عن الجارود العبديّ؛ لأنَّ الجمهور حملوهما على من لَمْ يُعَرِّفها؛ جمعًا بين الحديثين، و"حَرَق" بفتح الحاء والراء، وقد تُسَكّن؛ أي: يؤدي أخْذها للتمليك إلى النار، فهو تشبيه بليغ بحذف الأداة للمبالغة. انتهى (٣).

وقال المناويّ - رَحِمَهُ اللهُ -: قوله: "ضالة المسلم"؛ أي: ضائعته، مما يَحمي نفسه، ويقدر على الإبعاد في طلب الرعي، والماء، كإبل، وبقر، لا غنم، وقوله: "حَرَقُ النار" بالتحريك، وقد يسكّن: لَهَبُها، إذا أخذها إنسان ليتملكها أدته إلى إحراقه بالنار، وقال القاضي: أراد أنَّها حَرَق النار لمن آواها، ولم يعرّفها، أو قصد الخيانة فيها، كما بيّنه خبر مسلم: "من آوى ضالّة، فهو ضالّ، ما لَمْ يعرّفها"، وأصل الضالة: الضائعة من كلّ ما يُقتنَي، ثم اتُّسِعَ فيها، فصارت من الصفات الغالبة، تقع على الذكر، والأنثى، والجمع. انتهى (٤)، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.


(١) "شرح النوويّ" ١٢/ ٢٨.
(٢) راجع: "عون المعبود" ٥/ ٩٨.
(٣) "شرح الزرقانيّ على الموطأ" ٤/ ٦٩.
(٤) "فيض القدير" ٤/ ٢٥٢.