للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

البقر من الماشية، قاله الفيّوميّ (١)، فقوله: "مواشيهم" مرفوع على الفاعليّة لـ "تَخْزُنُ"، وقوله: (أَطْعِمَتَهُمْ) منصوب على المفعوليّة له، ولفظ البخاريّ: "أطعماتهم"، وهو جمع أطعمة، والأطعمة: جمع طعام، والمراد به هنا اللبن.

وقال القرطبيّ - رَحِمَهُ اللهُ -: ظاهر تشبيه ضرع الماشية بالخزانة يقتضي: أنّ مَن حَلَب ماشية أحد في خفية، وكان قيمة ما حَلَب نصابًا قُطِعَ، كما يُقطع مَنْ أخذه من خزانته، فيكون ضرع الماشية حرزًا، وقد قال به بعض العلماء، فأمَّا مالك: فلم يقل به، إلَّا إذا كانت الغنم في حرز. انتهى (٢).

(فَلَا يَحْلُبَنَّ) بضمِّ اللام، كما سبق قريبًا، ونون التوكيد الثقيلة، (أحَدٌ مَاشِيَةَ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِهِ")؛ أي: صريحًا، ويَحْتَمِل أن يكون أيضًا دلالة، كما إذا جرى العرف بذلك، والأول أظهر.

فقوله: "فلا يحلُبنّ … إلخ" مكرّر تأكيدًا للنهي الأول، فتنبّه.

وقال القرطبيّ - رَحِمَهُ اللهُ -: قوله: "لا يحلبن أحد ماشية أحدٍ إلَّا بإذنه" إنَّما كان هذا؛ لأنَّ أصل الأملاك بقاؤها على ملك مُلَّاكِها، وتحريمها على غيرهم، كما قال - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إن دماءكم، وأموالكم، وأعراضكم عليكم حرام، كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا، في بلدكم هذا"، وكما قد تقدم من قوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إنَّه لا يحل مال امرئ مسلم إلَّا عن طيب نفسٍ منه"، إلى غير ذلك، وهذا أصل ضروريّ معلومٌ من الشرائع كلها، وإنما خصَّ اللَّبن بالذكر لتساهل الناس في تناوله، ولا فرق بين اللَّبن والثمرة وغيرها في ذلك، غير أن العلماء قد اختلفوا فيهما، فذهب الجمهور إلى أنَّه لا يحل شيء من لبن الماشية، ولا من التمر إلَّا إذا عُلِم طيب نفس صاحبه به؛ تمسُّكًا بالأصل المذكور، وبهذا الحديث، وذهب بعض المحدثين: إلى أن ذلك يحل، وإن لَمْ يُعلم حال صاحبه؛ لأنَّ ذلك حقٌّ جعله الشرع له؛ تمسُّكًا بما رواه أبو داود، عن الحسن، عن سمرة - رضي الله عنه -: أن النبيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "إذا أتى أحدكم على ماشية؛ فإن كان فيها صاحبها فليستأذنه، فإن أَذِن له فليحلب، وليشرب، وإن لَمْ يكن فيها فليصوِّت ثلاثًا؛ فإن أجاب فليستأذنه، فإن أذن له، وإلا فليحتلب، وليشرب ولا يَحْمِل".


(١) "المصباح المنير" ٢/ ٥٧٤.
(٢) "المفهم" ٥/ ١٩٦.