وذكر الترمذيّ عن يحيى بن سُليم، عن عبيد الله، عن نافع، عن ابن عمر، عن النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:"من دخل حائطًا فليأكل، ولا يتخذ خُبْنةً"، قال: هذا حديث غريب، لا نعرفه إلَّا من حديث يحيى بن سُليم، وذكر من حديث عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جدِّه: أن النَّبيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سئل عن الثمر المعلق، فقال:"من أصاب منه من ذي حاجة غير متخذ خُبنةً، فلا شيء عليه"، قال فيه: حديث حسن.
قال القرطبيّ - رَحِمَهُ اللهُ -: ولا حجَّة في شيء من هذه الأحاديث لأوجه:
أحدها: أن التمسك بالقاعدة المعلومة أولى.
وثانيها: أن حديث النهي أصحُّ سندًا، فهو أرجح.
وثالثها: أن ذلك محمولٌ على ما إذا عُلِم طيب نفوس أرباب الأموال بالعادة، أو بغيرها.
ورابعها: أن ذلك محمول على أوقات المجاعة والضرورة، كما كان ذلك في أول الإسلام، والله تعالى أعلم.
[تنبيه]: لو اضطر فلم يجد ميتة وجب عليه إحياء رَمَقِهِ من مال الغير، وهل يلزمه قيمة ما أكل أم لا؟ والجمهور على وجوبها عليه إذا أمكنه ذلك، فإن وجد ميتة وطعامًا للغير؛ فإن أَمِن على نفسه من القطع والضرر أَكَلَ الطعام وَيغْرَم قيمته، وقيل: لا يلزم، وإن لَمْ يأمن على نفسه أَكَلَ الميتة، قاله مالك.
قال القرطبيّ: غير أنه قد جرت عادة بعض الناس بالمسامحة في أكل بعض الثمر، كما قد اتفق في بعض بلادنا، وفي شُرب بعض لبن الماشية، كما كان ذلك في أهل الحجاز، فيكون استمرار العادة بذلك هـ وترك النكير فيه دليلًا على إباحة ذلك، ولذلك شرب النبيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وأبو بكر - رضي الله عنه - من لبن غنم الراعي في طريق الهجرة.
ويمكن أن تُحمل الأحاديث المتقدمة على العادة الجارية عندهم في اللبن والثمرة. انتهى كلام القرطبيّ - رَحِمَهُ اللهُ -، وهو بحث نفيسٌ، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.