إليه من ربه، من الكتاب، وما فيه من حلال وحرام، ووعد ووعيد، وأمر ونهي، وغير ذلك، من سائر ما فيه من المعاني التي حواها، وذُكر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما نزلت هذه الآية عليه قال:"يَحِقّ له".
قال: حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله:{آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّه}، وذُكر لنا: أن نبي الله - صلى الله عليه وسلم - لما نزلت هذه الآية قال:"ويَحِقّ له أن يؤمن". انتهى (١).
{لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ} أي لا نُفَرِّق بينهم في الإيمان، فنؤمن ببعضهم، ونكفر ببعض، كما فعله أهل الكتابين، بل نؤمن بجميعهم، و {أَحَدٍ} في هذا الموضع بمعنى الجمع، ولهذا دخلت فيه {بَيْنَ}، ومثله قوله تعالى: {فَمَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ (٤٧)} [الحاقة: ٤٧].
وقال ابن جرير: وأما قوله: {لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ}، فإنه أَخبر جَلّ ثناؤه بذلك عن المؤمنين أنهم يقولون ذلك، ففي الكلام في قراءة من قرأ:{لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ} بالنون متروك، قد استُغني بدلالة ما ذُكر عنه، وذلك المتروك هو: يقولون، وتأويل الكلام: والمؤمنون كلٌّ اَمن بالله وملائكته وكتبه ورسله، يقولون: لا نفرق بين أحد من رسله، وتَرَك ذكر "يقولون"؛ لدلالة الكلام عليه، كما تَرك ذكره في قوله: {وَالْمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ (٢٣) سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ} [الرعد: ٢٣، ٢٤] بمعنى يقولون: سلام.
وقد قرأ ذلك جماعة من المتقدمين:"لا يُفَرَّق بين أحد من رسله" بالياء بمعنى: والمؤمنون كلُّهم آمَنَ بالله وملائكته وكتبه ورسله، لا يُفَرّق الكل منهم بين أحد من رسله، فيُؤمَنُ ببعض، ويُكْفَرُ ببعض، ولكنهم يصدقون بجميعهم، ويُقِرّون أن ما جاؤوا به كان من عند الله، وأنهم دَعَوا إلى الله، وإلى طاعته،
(١) "تفسير ابن جرير" ٦/ ١٢٤، وأخرجه الحاكم في "المستدرك" ٢/ ٢٨٧ من طريق خلاد بن يحيى، عن أبي عَقيل، عن يحيى بن أبي كثير، عن أنس، قال: لَمّا نزلت هذه الآية على النبيّ - صلى الله عليه وسلم -: {آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ} قال النبيّ - صلى الله عليه وسلم -: "وأحقّ له أن يؤمن"، ثم قال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين، ولم يُخرجاه، واستدرك عليه الذهبي، فقال: منقطع.