للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

بقوله: "يؤمن "الإيمان الكامل، وخصّه بالله، واليوم الآخر؛ إشارة إلى المبدإ والمعاد؛ أي: من آمن بالله الذي خلقه، وآمن بأنه سيجازيه بعده، فليفعل الخصال المذكورات، قاله في "الفتح" (١).

وقال في موضع آخر؛ قال الطوفيّ: ظاهر الحديث انتفاء الإيمان عمن لَمْ يفعل ذلك، وليس مرادًا، بل أراد به المبالغة، كما يقول القائل: إن كنت ابني، فاطعمني، تهييجًا له على الطاعة، لا أنه بانتفاء طاعته ينتفي أنه ابنه. انتهى (٢).

(فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ) قال القرطبيّ - رَحِمَهُ اللهُ -: قد تقدم القول في حكم الضيافة، وأن الأمر بها عند الجمهور على جهة الندب، لأنَّها من مكارم الأخلاق، إلَّا أن تتعين في بعض الأوقات بحسب ضرورة أو حاجة، فتجب حينئذ.

قال الجامع عفا الله عنه: قد تقدّم في كتاب الإيمان ترجيح القول بوجوبها؛ لقوّة حجته، فراجعه تستفد، وبالله تعالى التوفيق.

قال: وقد أفاد هذا الحديث أنَّها من أخلاق المؤمنين، ومما لا ينبغي لهم أن يتخلَّفوا عنها؛ لِمَا يحصل عليها من الثواب في الآخرة، ولمَا يترب عليها في الدنيا من إظهار العمل بمكارم الأخلاق، وحُسن الأحدوثة الطيبة، وطِيْب الثناء، وحصول الرَّاحة للضيف المتعوب بمشقَّات السَّفر، المحتاج إلى ما يخفِّف عليه ما هو فيه من المشقَّة، والحاجة.

ولم تزل الضيافة معمولًا بها في العرب من لدن إبراهيِم - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛ لأنَّه أول من ضيَّف الضيف، وعادة مستمرة فيهم، حتى إنَّ من تركها يُذمُّ عُرْفًا، ويُبَخَّلُ ويُقَبَّحُ عليه عادة، فنحن وإن لَمْ نقل: إنَّها واجبة شرعًا فهي متعيِّنة لِمَا يحصل منها من المصالح، ويندفع بها من المضارّ عادة وعُرفًا. انتهى كلام القرطبيّ (٣)، وقد عرفت ما في قوله: "وإن لَمْ نقل: إنها واجبة … إلخ"، فلا تغفل.


(١) "الفتح" ١٣/ ٥٦٦، كتاب "الأدب" رقم (٦٠١٩).
(٢) "الفتح" ١٣/ ٧١٠، كتاب الأدب" رقم (٦١٣٥).
(٣) "المفهم" ٥/ ١٩٧ - ١٩٨.