للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

(جَائِزَتَهُ") بالنصب على أنَّه بدل اشتمال من "ضيفه"، وقال القرطبيّ - رَحِمَهُ اللهُ -: و"الجائز": العطيّة، يقال: أجزته جائزة، كما تقول: أعطيته عطية. و"جائزته" هنا منصوب، إما على إسقاط لفظ حرف الجر، فكأنه قال: فليكرم ضيفه بجائزته، وإما بأن يُشْرِبَ "فليكرم" معنى "فليُعط"، فيكون مفعولًا ثانيًا لـ "يكرم". انتهى (١).

ووقع في رواية البخاريّ بلفظ: "جائزته يومٌ وليلة"، فقال السهيليّ - رَحِمَهُ اللهُ -: رُوي "جائزته" بالرفع على الابتداء، وهو واضح، وبالنصب على بدل الاشتمال؛ أي: يكرم جائزته يومًا وليلةً. انتهى. (قَالُوا: وَمَا جَائِزَتُهُ يَا رَسُولَ اللهِ؟) "ما" استفهاميّة؛ أي: أيُّ شيء جائزة الضيف؟ (قَالَ) - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ("يَوْمُهُ وَلَيْلَتُهُ) بالرفع على أنَّه خبر لمحذوف؛ أي: هي يومه وليلته (وَالضِّيَافَةُ ثَلَاثُ أَيَّامٍ، فَمَا كَانَ وَرَاءَ ذَلِكَ فَهُوَ صدَقَةٌ عَلَيْهِ)؛ أي: على الضيف، قال ابن بطال (٢): سئل عنه مالك؟ فقال: يُكرِمه ويُتحفه يومًا وليلةً، وثلاثة أيام ضيافة.

وقال القرطبيّ - رَحِمَهُ اللهُ -: وقوله: "وما جائزته؟ " استفهام عن مقدار الجائزة، لا عن حقيقتها، ولذلك أجابهم بقوله: "يومه وليلته"؛ أي: القيام بكرامته في يومه وليلته؛ أي: أقلّ ما يكون هذا القدر، فإنَّه إذا فعل هذا حصلت له تلك الفوائد.

قال: وفي قوله بعد ذلك: "والضيافة ثلاثة أيام" يعني بها: الكاملة التي إذا فعلها المضيف فقد وصل إلى غاية الكمال، وإذا أقام الضيف إليها لَمْ يلحقه ذمٌّ بالمقام فيها؛ فإن العادة الجميلة جاريةٌ بذلك، وأمَّا ما بعد ذلك فخارج عن هذا كله، وداخل في باب إدخال المشاقِّ والكُلَف على الْمُضيِّف، فإنَّه يتأذى بذلك من أوجه متعددة، وهو المعنى بقوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "ولا يحل له أن يقيم عنده حتى يؤثمه"؛ أي: حتى يَشُقّ عليه، ويثقل، لا سيما مع رقة الحال، وكثرة المكلف.

وقيل: معنى "يؤثمه": يحرجه، فيقع في الإثم، وقد جاء ذلك مفسَّرًا في


(١) "المفهم" ٥/ ١٩٨.
(٢) "شرح البخاريّ" لابن بطال ٩/ ٣٠٩.