للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

قال: وقد ذُكر أن هذه الآية لما نزلت على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثناءً من الله عليه وعلى أمته، قال له جبريل: إن الله عز وجل قد أحسن عليك وعلى أمتك الثناءَ، فسل ربك.

حدثنا ابن حميد، قال: ثنا جرير، عن بيان، عن حكيم بن جابر، قال لما أنزلت على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: {آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ (٢٨٥)} وقال جبريل: إن الله عز وجل قد أحسن الثناء عليك، وعلى أمتك، فسل تعطه، فسأل: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} وإلى آخر السورة (١).

({وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِير}، فَلَمَّا فَعَلُوا ذَلِكَ) أي استجابوا لما دعاهم إليه النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، وأمرهم به، فقالوا: سمعنا، وأطعنا … إلخ (نَسَخَهَا اللهُ تَعَالَى) أي أزال التكليف الذي شقّ عليهم.

واعترض المازريّ النسخ هنا، فقال: وأما قول الراوي: إن ذلك نُسِخَ، ففي النسخ هنا نظر؛ لأنه إنما يكون النسخ إذا تعذّر البناء، ولم يمكن ردّ إحدى الآيتين إلى الأخرى، وقوله تعالى: {وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ} الآية [البقرة: ٢٨٤] عموم يصحّ أن يشتمل على ما يُملك من الخواطر، وما لا يُملك، فتكون الآية الأخرى مُخصِّصةً، إلا أن يكون فَهِمَ الصحابة بقرينة الحال أنه تقرّر تعبُّدهم بما لا يُملك من الخواطر، فيكون حينئذ نسخًا؛ لأنه رفع ثابتٌ مستقِرّ. انتهى كلام المازريّ.

وتعقّبه القاضي عياض، فقال: لا وجه لاستبعاد النسخ في هذه القضيّة، وراويها قد روى فيها النسخ، ونصَّ عليه لفظًا ومعنًى بأمر النبيّ - صلى الله عليه وسلم - لهم بالإيمان، والسمع والطاعة لما أعْلَمَه الله عز وجل من مؤاخذته لهم، فلَمّا فعلوا


(١) "تفسير الطبري" ٣/ ١٥٣. بيان: هو ابن بشر الأحمسيّ ثقة مشهور، وحكيم بن جابر بن طارق بن عوف الأحمسيّ تابعيّ كبير ثقة، وتصحّف في تفسير ابن كثير إلى "سنان، عن حكيم، عن جابر"، فليُصحّح، نبّه عليه الشيخ أحمد شاكر في تخريجه لتفسير ابن جرير ٦/ ١٢٩.