للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

وقال ابن منظور رحمه الله تعالى: وحَدّ الزَّجّاج الإيمانَ، فقال: الإيمان: إظهار الخضوع، والقبول للشريعة، ولما أتى به النبيّ - صلى الله عليه وسلم - (١)، واعتقاده، وتصديقه بالقلب (٢)، فمن كان على هذه الصفة، فهو مؤمنٌ مسلمٌ، غير مُرتاب، ولا شاكّ، وهو الذي يرى أن أداء الفرائض واجب عليه، لا يدخله في ذلك ريبٌ، وفي التنزيل العزيز: {وَمَا أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنَا} [يوسف: ١٧]: أي بمصدّق، فالإيمان: التصديق. وقال في "التهذيب": وأما الإيمان، فهو مصدر آمن يؤمن إيمانًا، فهو مؤمنٌ، واتّفق أهل العلم من اللغويين، وغيرهم أن الإيمان: معناه التصديق، قال الله تعالى: {قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا} الآية [الحجرات: ١٤]، قال: وهذا موضع يحتاج إلى تفهيمه، وأين ينفصل المؤمن من المسلم، وأين يستويان، والإسلام: إظهار الخضوع، والقبول لما أتى به النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، وبه يُحْقَن الدم، فمان كان مع ذلك الإظهارِ اعتقادٌ، وتصديقٌ بالقلب، فذلك الإيمانُ الذي يقال للموصوف به هو مؤمنٌ مسلمٌ، وهو المؤمن بالله تعالى، ورسوله - صلى الله عليه وسلم -، غير مرتاب، ولا شاكّ، وهو الذي يرى أن أداء الفرائض واجبٌ عليه، وأن الجهاد بنفسه وماله واجب عليه، لا يدخله في ذلك ريبٌ، فهو المؤمن، وهو المسلم حقًّا، كما قال الله عز وجل: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ (١٥)} [الحجرات: ١٥]، أي: أولئك الذين قالوا إنا مؤمنون، فهم الصادقون، فأما من أظهر قبول الشريعة، واستسلم لدفع المكروه، فهو في الظاهر مسلم، وباطنه غير مصدّق، فذلك الذي يقول: أسلمت؛ لأن الإيمان لا بدّ من أن يكون صاحبه صِدِّيقًا؛ لأن قولك: آمنت بالله، أو قال قائل: آمنت بكذا وكذا، فمعناه: صدّقت، فأخرج الله هؤلاء من الإيمان، فقال: {وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ} [الحجرات: ١٤]، أي: لم تُصدّقوا، إنما أسلمتم تعوّذًا من القتل، فالمؤمن مُبْطِنٌ من التصديق مثل ما يُظهر، والمسلم التامّ الإسلام،


(١) هذا هو الحق في تفسير الإيمان لغةً، وأما تفسيره بالتصديق فقط فإنه مذهب المبتدعة، فتنبه.
(٢) أي مع العمل، فتنبه.