مظهر للطاعة، مؤمن بها، والمسلم الذي أظهر الإسلام تعوّذًا غير مؤمن في الحقيقة، إلا أن حكمه في الظاهر حكم المسلمين، وقال الله تعالى حكايةً عن قول إخوة يوسف عليه السلام لأبيهم:{وَمَا أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ}[يوسف: ١٧]: لم يختلف أهل التفسير أن معناه: ما أنت بمصدّق لنا، والأصل في الإيمان الدخول في صدق الأمانة التي ائتمنه الله عليها، فإذا اعتقد التصديق بقلبه، كما صدّق بلسانه، فقد أذى الأمانة، وهو مؤمنٌ، ومن لم يعتقد التصديق بقلبه، فهو غير مؤذ للأمانة التي ائتمنه الله عليها، وهو منافقٌ، ومن زعم أن الإيمان هو إظهار القول، دون التصديق بالقلب، فإنه لا يخلو من وجهين:
[أحدهما]: أن يكون منافقًا يَنضَح عن المنافقين، تأييدًا لهم، أو يكون جاهلًا، لا يعلم ما يقول، وما يُقال له، أخرجه الجهل، واللَّجَاج إلى عناد الحقّ، وترك قبول الصواب، أعاذنا الله من هذه الصفة، وجعلنا ممن علم، فاستعمل ما علم، أو جهل فتعلَّم ممن علم، وسلّمنا من آفات أهل الزيغ، والبدع بمنّه وكرمه.
وفي قوله عز وجل: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ (١٥)} [الحجرات: ١٥] ما يُبيّن لك أن المؤمن هو المتضمّن لهذه الصفة، وأن من لم يتضمّن هذه الصفة، فليس بمؤمن؛ لأن "إنما" في كلام العرب تجيء لتثبيت شيء، ونفي ما خالفه، ولا قوّة إلا بالله. انتهى "لسان العرب" ١٣/ ٢٣ - ٢٤، وهو تحقيق نفيس، بيّن فيه حقيقة الإيمان عند المحققين من أهل اللغة وغيرهم، فلا تغتر بتفسير القاصرين له بأنه مجرد التصديق، فإنه خطر عظيم؛ لأنه يؤدي إلى مذهب المرجئة الضالة، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
(المسألة الثالثة): في أن الإيمان قول، وعمل، ويزيد وينقص.
قال في "الفتح": والكلام هنا في مقامين:
[أحدهما]: كونه قولًا وعملًا.
[والثاني]: كونه يزيد وينقص، فأما القول: فالمراد به النطق بالشهادتين، وأما العمل: فالمراد به ما هو أعم من عمل القلب والجوارح؛ ليدخل الاعتقاد والعبادات، ومراد من أدخل ذلك في تعريف الإيمان، ومن نفاه، إنما هو