للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

البالغين المقاتلين، وأما النساء، والذرّيّة فيُسبَوْن، ويُسترقّون، والله تعالى أعلم.

٤ - (ومنها): ما قاله القرطبيّ - رحمه الله -: وقول نافع - وقد سئل عن الدعوة قبل القتال -: "أنها كانت في أول الإسلام"، واستدلاله بقضية بني المصطلِق؛ يُفْهَم منه أن حكم الدعوة كان متقدمًا، وأنه منسوخ بقضية بني المصطلق، وبه تمسَّك من قال بسقوط الدعوة مطلقًا، ومنهم من ذهب إلى أنها واجبة مطلقًا، متمسّكًا بظاهر وصية النبيّ - صلى الله عليه وسلم - بذلك أمراءه، ولم تصلح عنده قضية بني المصطلق لأن تكون ناسخة لذلك؛ لأن تلك الوصايا تقعيد قاعدة عامة، وقضية بني المصطلق قضية في عين؛ ولأن الوصية قول، وقضية بني المصطلق فعل، والفعل لا ينسخ القول على ما يُعرف في الأصول.

قال الجامع عفا الله عنه: قوله: "والفعل لا ينسخ القول" هذا قول مرجوح، فقد حقّقت في "التحفة المرضيّة"، و"شرحها" في الأصول أن الصحيح أن الفعل مثل القول، فيُنسخ به القول، كما يُنسخ بالقول؛ لأدلة كثيرة مذكورة هناك، فراجعها تستفد، وبالله تعالى التوفيق.

قال: والذي يجمع بين هذه الأحاديث صريح مذهب مالك، وهو أنه قال: لا يُقاتَل الكفار قبل أن يُدْعَوا، ولا تُلتمس غِرّتهم، إلا أن يكونوا ممن بلغتهم الدعوة، فيجوز أن تؤخذ غرتهم، وعلى هذا فيُحْمَل حديث بني المصطلق: على أنهم كانوا قد بلغتهم الدعوة، وعرفوا ما يطلبه المسلمون منهم، وهذا الذي صار إليه مالك هو الصحيح؛ لأن فائدة الدَّعوة أن يعرف العدو أن المسلمين لا يقاتلون للدنيا، ولا للعصبية، وإنما يقاتلون للدِّين. وإذا علموا بذلك أمكن أن يكون ذلك سببًا مُمِيلًا لهم إلى الانقياد للحق بخلاف ما إذا جهلوا مقصود المسلمين، فقد يظنون أنهم يقاتلون للفتك، وللدنيا، فيزيدون عتوًّا، وتعصبًا. انتهى كلام القرطبيّ - رحمه الله - (١)، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

(المسألة الرابعة): في اختلاف أهل العلم في حكم الإغارة على العدوّ قبل الإنذار:


(١) "المفهم" ٣/ ٥١٧ - ٥١٨.