للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

صواب الرواية: "ادعهم" بإسقاط "ثُمّ"، وقد جاء بإسقاطها على الصواب في كتاب أبي عبيد، وفي سنن أبي داود، وغيرهما؛ لأنه ابتداء تفسير للخصال الثلاث، وليس غيرها، وقال المازريّ: ليست "ثُمّ" هنا زائدة، بل دخلت لاستفتاح الكلام، والأخذ فيه. انتهى (١).

قال الطيبيّ - رحمه الله - بعد ذكر كلام المازريّ ما حاصله: أقول: تحرير قول المازريّ: إن الخصال الثلاث: هي الإسلام، وإعطاء الجزية، والمقاتلة، فقوله: "ثم ادعهم إلى الإسلام" إشارة إلى الخصلة الأولى، وقوله: "ثم ادعهم إلى التحوّل" إلى قوله: "إلا أن يجاهدوا مع المسلمين" متفرع على هذه الخصلة، وقوله: "فإن أبوا، فَسَلْهم الجزية" بيان للخصلة الثانية، وقوله: "فإن هم أبوا، فاستعن" إشارة إلى الخصلة الثالثة، فعلى هذا قوله: "ثم ادعهم" مكرّر زِيْدَ لمزيد التقرير، وليُنبّه على أن الدعوة إلى الإسلام هي المطلوبة الأوليّة، وأشرف الخصال، ونظيره في التكرير قوله تعالى حكاية عن نوح عليه السلام: {رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلًا وَنَهَارًا} إلى قوله: {ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهَارًا (٨)} [نوح: ٥ - ٨] قصد بقوله: {لَيْلًا وَنَهَارًا} اشتمال دعوته على الأزمنة كلها، وبقوله: {جِهَارًا} و {إِسْرَارًا} كيفيّة دعوته في الأزمنة، وبتكرار "ثمّ" والدعاء التلويحَ إلى التفاوت بين الأحوال. انتهى (٢).

(فَإِنْ أَجَابُوكَ، فَاقْبَلْ مِنْهُمْ، وَكُفَّ عَنْهُمْ، ثُمَّ ادْعُهُمْ إِلَى التَّحَوُّلِ)؛ أي: الانتقال (مِنْ دَارِهِمْ)؛ أي: من بلاد الكفر (إِلَى دَارِ الْمُهَاجِرِينَ)؛ أي: إلى دار الإسلام، وهذا من توابع الخصلة الأولى، قيل: إن الهجرة كانت من أركان الإسلام قبل فتح مكة.

وقال القرطبيّ - رحمه الله -: قوله: "إلى دار المهاجرين" يعني: المدينة، وكان هذا في أول الأمر، في وقت وجوب الهجرة إلى المدينة على كل من دخل في الإسلام، أو على أهل مكة خاصة، في ذلك خلاف، وهذا يدلّ على أن الهجرة كانت واجبة على كل من آمن من أهل مكة وغيرها. انتهى (٣).


(١) "شرح النوويّ" ١٢/ ٣٨.
(٢) "الكاشف عن حقائق السنن" ٨/ ٢٦٩٥ - ٢٦٩٦.
(٣) "المفهم" ٥/ ٥١٣.