للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

الذي لا يُقْدَرُ عليه؛ لارتفاعه، وجمعه حُصُونٌ (١). (فَأَرَادُوكَ)؛ أي: طلبوا منك (أَنْ تَجْعَلَ لَهُمْ ذِمَّةَ اللهِ) تعالى (وَذِمَّةَ نَبِيِّهِ) - صلى الله عليه وسلم -؛ أي: عهدهما، وأمانهما، (فَلَا تَجْعَلْ لَهُمْ ذِمَّةَ اللهِ) تعالى (وَلَا ذِمَّةَ نَبِيِّهِ) - صلى الله عليه وسلم -؛ أي: لا بالاجتماع، ولا بالانفراد، (وَلَكِنِ اجْعَلْ لَهُمْ ذِمَّتَكَ، وَذِمَّةَ أَصْحَابِكَ) ثم علّل ذلك بقوله: (فَإِنَّكُمْ أَنْ تُخْفِرُوا) بالخاء المعجمة، والفاء، مبنيًّا للفاعل، من الإخفار رباعيًّا؛ أي: تَنْقُضُوا، يقال: أخفرته بالألف: نقضتُ عهده، ويقال أيضًا: خَفَرَ به ثلاثيًّا: إذا نقض عهده، وغدَر به، قال المجد - رحمه الله -: خَفِرَ به، وعليه يَخْفِر - كيضرب - ويَخْفُرُ - كينصُرُ - خَفْرًا: أجاره، ومنَعَهُ، وآمنه، كخَفَّره، وتخفّر به، والاسم: الْخُفْرَةُ بالضمّ، والْخِفَارة مثلّثةً، والخَفِير: المُجار، والمجيرُ، كالْخُفَرَة، كهُمَزَةٍ، والْخُفَارةُ مثلّثةً: جُعْلُهُ، قال: وخَفَرَهُ: أخذ منه جُعْلًا لِيُجيره، وخَفَرَ به خَفْرًا، وخُفُورًا: نقض عهده، وغَدَره، كأخفره. انتهى (٢).

قال الجامع عفا الله عنه: يستفاد من عبارة المجد المذكورة أن خَفَر ثلاثيًّا، من بابي ضرب، ونصر بمعنى أجار، ومنع، كخفّر بالتشديد، وأن خفَر ثلاثيًّا بمعنى نقض العهد، ومثله أخفر بالهمزة رباعيًّا، فيجوز أن يكون قوله هنا: "أن تُخْفِروا"، من الخفر ثلاثيًّا، أو الإخفار رباعيًّا، فتنبّه، والله تعالى أعلم.

[تنبيه]: قوله: "فإنكم أَنْ تُخفِروا" بفتح همزة "أَنْ"، وهي مصدريّة، وهي وَصِلتها في تأويل المصدر بدل من ضمير المخاطب في قوله: "فإنكم"، وخبر "إن" قوله: "أهون … إلخ"، قال القاري: ووقع في نسخة - أي: من المصابيح - "إن تُخْفِروا" بكسر الهمزة على الشرط، وهو مشكلٌ، قال: ولعلّ وجه الإشكال أن "أهون" على هذا يكون جزاء الشرط بتقدير "هو"، فتلزم الفاء الرابطة، قال: ويمكن دفعه بأن يُحمل على الشذوذ، كقوله:

مَنْ يَفْعَلِ الْحَسَنَاتِ اللهُ يَشْكُرُهَا (٣)

وقال النوويّ - رحمه الله -: قال العلماء: الذمة هنا: العهد، و"تُخْفِروا" بضم


(١) "المصباح المنير" ١/ ١٣٩.
(٢) "القاموس المحيط" ص ٣٨٢.
(٣) "مرقاة المفاتيح" ٧/ ٤٧٧.