للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

الكلام على بَعْث معاذ - رضي الله عنه -: وروى أحمد من طريق عاصم بن حميد، عن معاذ: "لمّا بعثه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى اليمن خرج يوصيه، ومعاذ راكب … " الحديث، ومن طريق يزيد بن قطيب، عن معاذ: "لمّا بعثني النبيّ - صلى الله عليه وسلم - إلى اليمن قال: قد بعثتك إلى قوم رقيقة قلوبهم، فقاتل بمن أطاعك من عصاك"، وعند أهل المغازي أنها كانت في ربيع الآخر سنة تسع من الهجرة. انتهى (١).

(فَقَالَ) - صلى الله عليه وسلم - لهما ("يَسِّرَا)؛ أي: خذا بما فيه اليسر والسهولة، (وَلَا تُعَسِّرَا)؛ أي: لا تأخذا بما فيه الشدّة، (وَبَشِّرَا، وَلَا تُنَفِّرَا) قال الطيبيّ رحمه الله: قوله: "يسّرا، ولا تعسّرا، وبشّرا ولا تنفّرا" هذا من باب المقابلة المعنوية؛ لأن الحقيقية أن يقال: بشرا، ولا تنذرا، وآنِسا، ولا تنفّرا، فجمع بينهما؛ لتعمّ البشارة والنذارة، والتأنيس والتنفير.

قال الحافظ رحمه الله بعد نقل كلام الطيبيّ هذا: ويظهر لي أن النكتة في الإتيان بلفظ البشارة، وهو الأصل، وبلفظ التنفير، وهو اللازم، وأتى بالذي بعده على العكس؛ للإشارة إلى أن الإنذار لا يُنفَى مطلقًا، بخلاف التنفير، فاكتفَى بما يلزم عنه الإنذار، وهو التنفير، فكأنه قيل: إن أنذرتم، فليكن بغير تنفير، كقوله تعالى: {فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا} [طه: ٤٤] انتهى (٢).

وقال الطبريّ رحمه الله: المراد بالأمر بالتيسير فيما كان من النوافل، مما كان شاقًّا؛ لئلا يُفضي بصاحبه إلى الملل، فيتركه أصلًا، أو يُعْجَب بعمله، فيُحْبَط، وفيما رُخِّص فيه من الفرائض، كصلاة الفرض قاعدًا للعاجز، والفطر في الفرض لمن سافر، فيشقّ عليه، وزاد غيره: في ارتكاب أخفّ الضررين، إذا لم يكن من أحدهما بُدّ، كما في قصة الأعرابيّ، حيث بال في المسجد النبويّ (٣).

(وَتَطَاوَعَا)؛ أي: يُطيع أحدكما الآخر فيما يأمره به، (وَلَا تَخْتَلِفَا") في شيء من الأمور الدينيّة والدنيويّة؛ لأن الاختلاف سبب للفشَلَ والانهزام، كما قال تعالى: {وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ} [الأنفال: ٤٦] ومعنى الريح:


(١) راجع: "الفتح" ٩/ ٤٧٧ - ٤٧٩، كتاب "المغازي" رقم (٤٣٤١).
(٢) "الفتح" ٩/ ٤٧٨، كتاب "المغازي" رقم (٤٣٤١).
(٣) "الفتح" ١٣/ ٦٩٧ - ٦٩٨، كتاب "الأدب" رقم (٦١٢٤).