للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

واستوى المجتهدان عنده خيّرناه، فالذي يقتضيه فعل الأولين الجواز، وكما أن الأعمى إذا قلنا: لا يجتهد في الأواني، والثياب، له أن يقلّد في الثياب واحدًا، وفي الأواني آخر، لكن الأصوليّون منعوا منه؛ للمصلحة، وحكى الحنّاطيّ وغيره عن أبي إسحاق فيما إذا اختار من كلّ مذهب ما هو أهون عليه أنه يَفْسُق به، وعن أبي هريرة أنه لا يفسق، ويعضد هذا الترجيح قول الإمام مالك رحمه الله حين أراد الرشيد الشخوص من المدينة إلى العراق، قال له: ينبغي أن تخرج معي، فإني عزمت أن أحمل الناس على "الموطأ"، كما حَمَل عثمان الناس على القرآن، فقال: أما حمل الناس على "الموطّأ" فليس إلى ذلك سبيل؛ لأن أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - افترقوا بعده في الأمصار، فحدَّثوا، فعند كلّ أهل مصر علمٌ، وقد قال - صلى الله عليه وسلم -: "اختلاف أمتي رحمة". انتهى (١).

قال الجامع عفا الله عنه: الحقّ أن التمذهب بمذهب معيّن في كلّ المسائل ليس واجبًا على أحد من الأمة، وإنما الواجب عليها أن يسأل الجاهل العالم، ويعمل بما يفتيه به، وواجب العالم أن يعمل بمقتضى ما صحّ لديه من الأدلّة، وليس عليه انتساب إلى أيّ مذهب في الناس، وإنما التقليد، أو الانتساب مما أحدثه المتأخِّرون بعد القرون المفضّلة، وما أجمل كلام الإمام مالك رحمه الله المذكور، وأما الحديث المذكور: "اختلاف أمتي رحمة"، فمما لا أصل له، بل قيل بوضعه، فلا تغترّ به (٢).

وقد استوفيت البحث في التمذهب في "التحفة المرضيّة"، و"شرحها"، في الأصول، فراجعه (٣) تستفد علمًا جمًّا، وبالله تعالى التوفيق.

٨ - (ومنها): وصية الإمام الوُلاةَ، وإن كانوا أهل فضل وصلاح، كمعاذ وأبي موسى - رضي الله عنهما -، {الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ} [الذاريات: ٥٥]، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.


(١) "الكاشف عن حقائق السنن" ٨/ ٢٥٩٠ - ٢٥٩١.
(٢) راجع: "السلسلة الصحيحة" للشيخ الألبانيّ رحمه الله ٣/ ٤٤٣.
(٣) راجع: "المنحة الرضيّة" ٣/ ٥٤٥ - ٥٨١.