للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

(المسألة الثالثة): في فوائده:

١ - (منها): بيان غِلَظ تحريم الغدر، لا سيما من صاحب الولاية العامّة؛ لأن غدره يتعدى ضرره إلى خلق كثيرين، وقيل: لأنه غير مضطرّ إلى الغدر؛ لقدرته على الوفاء، كما جاء في الحديث الصحيح في تعظيم كَذِب الملك، قال النوويّ رحمه الله: والمشهور أن هذا الحديث وارد في ذمّ الإمام الغادر، وذكر القاضي عياض احتمالين:

[أحدهما]: هذا، وهو نهي الإمام أن يغدِر في عهوده لرعيته، وللكفار، وغيرهم، أو غدره للأمانة التي قُلِّدها لرعيته، والتزم القيام بها، والمحافظة عليها، ومتى خانهم، أو ترك الشفقة عليهم، أو الرفق بهم، فقد غَدَر بعهده.

[والاحتمال الثاني]: أن يكون المراد: نهي الرعية عن الغدر بالإمام، فلا يَشُقّوا عليه العصا، ولا يتعرضوا لِمَا يُخاف حصول فتنة بسببه، قال: والصحيح الأول، والله أعلم. انتهى (١).

قال الجامع عفا الله عنه: عندي أن الأَولى حمل الحديث على أعمّ، فيشمل الاحتمالين المذكورين، وغيرهما من جميع أنواع الغدر، والخيانة، فتأمّل، والله تعالى أعلم.

٢ - (ومنها): أنه يُفهم منه مدح من وفى بالعهد، كما جاء صريحًا في قوله عز وجل: {وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا} [البقرة: ١٧٧].

٣ - (ومنها): بيان ما عليه الشريعة السمحة من العدالة، ومراعاة حقوق العباد، ولو كانوا غير مسلمين، فإنّ غَدْر الكافر المعاهد، أو الذمّيّ مثل غدر المسلم في التحريم، وقد أخرج أحمد، وأبو داود في "سننه" بإسناد صحيح، عن أبي بكرة - رضي الله عنه -، مرفوعًا: "من قَتَل مُعَاهِدًا في غير كُنْهِهِ (٢) حَرَّمَ الله عليه الجنة".

وأخرج البخاريّ في "صحيحه"، عن عبد الله بن عمرو - رضي الله عنهما -، مرفوعًا: "من قتل نفسًا مُعَاهِدًا لم يَرِحْ رائحة الجنة، وإن ريحها ليوجد من مسيرة أربعين عامًا".


(١) "شرح النوويّ" ١٢/ ٤٤.
(٢) أي: في غير وقته الذي يجوز فيه قتله.