للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

فالقتال كله فضيلة وطاعة، والصحيح الأول، ولهذا تَمّمه - صلى الله عليه وسلم - بقوله: "واسألوا الله العافية". انتهى (١).

وقال القرطبيّ رحمه الله: قيل: إن فائدة هذا النهي عن لقاء العدوّ أن لا يُستَخَفّ أمر العدو، فيتساهل في الاستعداد له، والتحرز منه، وهذا لِمَا فيه من المكاره، والْمِحَن، والنَّكَال، ولذلك قال متصلًا به: "واسألوا الله العافية"، وقيل: لِمَا يُخاف من إدالة العدو، وظَفَره بالمسلمين، وقد رُوي في هذا الحديث: "فإنهم يُنْصَرون كما تُنصرون"، وقيل: لِمَا يؤدي إليه من إذهاب حياة النفوس التي يزيد بها المؤمن خيرًا، ويرجَى للكافر فيها أن يتراجع، وكل ذلك مُحْتَمِل، والله تعالى أعلم.

ولا يقال: فلقاء العدو وقتاله طاعة يحصل منه إما الظفر بالعدو، وإما الشهادة، فكيف يُنْهَى عنه؟ وقد حضَّ الشرع على تمني الشهادة، ورغَّب فيه، فقال: "من سأل الله الشهادة صادقًا من قلبه، بَلَّغه الله منازل الشهداء، وإن مات على فراشه"؟ (٢).

لأنا نقول: لقاء العدوّ، وإن كان جهادًا، وطاعةً، ومُحَصِّلًا لأحد الأمرين، فلم يُنه عن تمنّيه من هذه الجهات، وإنما نُهِي عنه من جهات تلك الاحتمالات المتقدِّمة، ثم هو ابتلاء، وامتحان، لا يُعرف عن ماذا تُسْفِر عاقبته، وقد لا تحصل فيه لا غنيمة، ولا شهادة، بل ضد ذلك.

وتحريره: أن تمنّي لقاء العدوّ المنهي عنه غير تمنّي الشهادة المرَغَّب فيه؛ لأنه قد يحصل اللقاء، ولا تحصل الشهادة، ولا الغنيمة، فانفصلا.

قال: وقد فَهِم بعض العلماء من هذا الحديث كراهة المبارزة، وبهذا قال الحسن، ورُوي عن عليّ - رضي الله عنه - أنه قال: "يا بُنَيّ! لا تدع أحدًا إلى المبارزة، ومن دعاك إليها فاخرج إليه، فإنه باغ، وقد ضَمِن الله نَصْر من بُغي عليه".

وقال ابن المنذر: أجمع كلُّ من أحفظ عنه على جواز المبارزة، والدَّعوة


(١) "شرح النووي" ١٢/ ٤٥.
(٢) رواه أحمد (٥/ ٢٤٤)، ومسلم (١٩٠٩)، وأبو داود (١٥٢٠)، والترمذيّ (١٦٥٣)، والنسائيّ (٦/ ٣٦ - ٣٧) من حديث سهل بن حُنيف - رضي الله عنه -.