للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

إليها، وشرط بعضهم فيها إذن الإمام، وهو قول الثوريّ، والأوزاعيّ، وأحمد، وإسحاق: ولم يشترطه غيرهم، وهو قول مالك، والشافعيّ، واختلفوا، هل يُعِين المبارَز غيره أم لا؟ على قولين. انتهى كلام القرطبيّ رحمه الله (١).

وقال في "الفتح": قال ابن بطّال: حكمة النهي عن لقاء العدوّ أن المرء لا يعلم ما يؤول إليه الأمر،، وهو نظير سؤال العافية من الفتن، وقد قال الصديق - رضي الله عنه -: لأن أُعافَى، فأشكرَ أحبّ إليّ من أن أُبْتَلَى، فأصبر.

وقال غيره: إنما نهي عن تمني لقاء العدوّ؛ لِمَا فيه من صورة الإعجاب، والاتكال على النفوس، والوثوق بالقوّة، وقلة الاهتمام بالعدوّ، وكل ذلك يباين الاحتياط، والأخذ بالحزم.

وقيل: يُحمل النهي على ما إذا وقع الشك في المصلحة، أو حصول الضرر، وإلا فالقتال فضيلة وطاعة، ويؤيد الأول تعقيب النهي بقوله - صلى الله عليه وسلم -: "وسلوا الله العافية".

وأخرج سعيد بن منصور، من طريق يحيى بن أبي كثير، مرسلًا: "لا تَمَنَّوا لقاء العدو، فإنكم لا تدرون، عسى أن تُبْتَلَوْا بهم".

وقال ابن دقيق العيد: لَمّا كان لقاء الموت من أشقّ الأشياء على النفس، وكانت الأمور الغائبة ليست كالأمور المحقّقة، لم يُؤمَن أن يكون عند الوقوع كما ينبغي، فيكره التمني لذلك، ولمَا فيه لو وقع من احتمال أن يخالف الإنسان ما وَعَدَ من نفسه، ثم أَمَرَ بالصبر عند وقوع الحقيقة. انتهى.

واستُدِلّ بهذا الحديث على منع طلب المبارزة، وهو رأي الحسن البصريّ، وكان عليّ - رضي الله عنه - يقول: لا تَدْعُ إلى المبارزة، فإذا دُعِيت فأجب، تُنْصَرْ؛ لأن الداعي باغٍ. انتهى (٢).

(فَإِذَا لَقِيتُمُوهُمْ) وفي بعض النسخ: بالواو، (فَاصْبِرُوا") وفي حديث عبد الله بن أبي أوفى الآتي: "لا تتمنّوا لقاء العدوّ، واسألوا الله العافية، فإذا لقيتموهم فاصبروا، واعلموا أن الجنّة تحت ظلال السيوف".


(١) "المفهم" ٣/ ٥٢٣ - ٥٢٤.
(٢) "الفتح" ٧/ ٢٨٠، كتاب "الجهاد" رقم (٣٠٢٥).