للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وفي رواية: "عن أهل الدار من المشركين"، ونَقَل القاضي هذه عن رواية جمهور رواة "صحيح مسلم" قال: وهي الصواب، فأما الرواية الأولى فقال: ليست بشيء، بل هي تصحيف، قال: وما بعده هو تبيين الغلط فيه.

وتعقّبه النوويّ، فقال: وليست باطلة كما ادَّعَى القاضي، بل لها وجه، وتقديره: سئل عن حكم صبيان المشركين الذين يُبَيَّتون، فيصاب من نسائهم وصبيانهم بالقتل؟، فقال: "هم من آبائهم"؛ أي: لا بأس بذلك؛ لأن أحكام آبائهم جارية عليهم في الميراث، وفي النكاح، وفي القِصاص، والديات، وغير ذلك، والمراد: إذا لم يُتَعَمَّدوا من غير ضرورة، وأما الحديث السابق في النهي عن قتل النساء والصبيان، فالمراد به: إذا تميَّزوا. انتهى كلام النوويّ رحمه الله (١)، وهو تعقّب جيّد، والله تعالى أعلم.

وقال في "الفتح": قوله: "عن أهل الدار"؛ أي: المنزل، هكذا في البخاريّ وغيره، ووقع في بعض النسخ من "صحيح مسلم": "سئل عن الذراريّ". قال عياض: الأول هو الصواب، ووَجَّه النوويّ الثاني، وهو واضح. انتهى (٢).

وقال القرطبيّ رحمه الله: قوله: "سُئل عن الدار" الدار: هي العمائر، تجتمع في محلة، فتسمى المحلة: دارًا، وهي من الاستدار، وقوله - صلى الله عليه وسلم -: "دارَ قوم مؤمنين" يدلّ على أن اسم الدار يقع على الرَّبْع العامر المسكون، وعلى الخراب غير المأهول، والدار: مؤنثة، وقوله تعالى: {وَلَنِعْمَ دَارُ الْمُتَّقِينَ (٣٠)} [النحل: ٣٠] فالتذكير على معنى المثوى والموضع. انتهى (٣).

وقوله: (مِنَ الْمُشْرِكِينَ) بيان لمعنى "الذراريّ"، وقوله: (يُبَيَّتُونَ) بضمّ أوله، وتشديد ثالثه، مبنيًّا للمفعول؛ أي: يصابون ليلًا، يقال: بيّتَ العدوّ: إذا أغار عليهم ليلًا، وقال النوويّ رحمه الله: معنى البيات، و"يُبيّتون": أن يُغار عليهم بالليل، بحيث لا يُعْرَف الرجل من المرأة، والصبي. انتهى (٤).


(١) "شرح النوويّ" ١٢/ ٤٩.
(٢) "الفتح" ٧/ ٢٦٦، كتاب "الجهاد" رقم (٣٠١٢).
(٣) "المفهم" ٣/ ٥٢٩.
(٤) "شرح النوويّ" ١٢/ ٤٩.