[القول الثالث]: إن الآية فيما يَطْرأ على النفوس، من الشكّ واليقين، وقاله مجاهد أيضًا.
[القول الرابع]: إنها محكمة عامّةٌ، غير منسوخة، والله محاسبٌ خلقَهُ على ما عملوا من عمل، وعلى ما لم يعملوه، مما ثَبَت في نفوسهم، وأضمروه، ونووه، وأرادوه، فيغفر للمؤمنين، ويأخذ به أهل الكفر والنفاق، ذكره الطبري عن قوم، وأدخل عن ابن عباس ما يشبه هذا، روي عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس أنه قال: لم تُنْسَخ، ولكن إذا جَمَع الله الخلائق، يقول:"إني أُخبركم بما أكننتم في أنفسكم"، فأما المؤمنون فيخبرهم، ثم يغفر لهم، وأما أهل الشك والرَّيْب، فيخبرهم بما أخفوه من التكذيب، فذلك قوله:{يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ}، فيغفر للمؤمنين، ويعذب الكافرين، وهذا أصح ما في هذا الباب، يدُلّ عليه حديث النجوى على ما يأتي بيانه، ولا يقال: فقد ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: إن الله تجاوز لأمتي عما حدثت به أنفسها ما لم يتكلموا أو يعملوا به، فإنا نقول: ذلك محمول على أحكام الدنيا مثل الطلاق والعتاق والبيع التي لا يلزمه حكمها ما لم يتكلم به، والذي ذكر في الآية فيما يؤاخذ العبد به بينه وبين الله تعالى في الآخرة.
[القول الخامس]: أن الآية محكمةٌ، ليست بمنسوخة، قاله الحسن، وغيره، وقالوا: إن العذاب الذي يكون جزاء لما خَطَر في النفوس، وصَحِبَه الفكر، إنما هو بمصائب الدنيا، وآلامها، وسائر مكارهها، وأسند الطبريّ عن عائشة - رضي الله عنهما - نحو هذا المعنى.
ورجح الطبري أن الآية محكمة، غير منسوخة، قال ابن عطية: وهذا هو الصواب (١).
وقال القاضي عياض: قد اختلف الناس في هذه الآية، فأكثر المفسّرين من الصحابة، ومن بعدهم على ما تقدّم فيها من النسخ، وأبعده بعضُ المتأخّرين، قال: لأنه خبر، ولا يدخل النسخ الأخبار، ولم يُحَصِّلْ ما قاله، فإنه وإن كان خبرًا، فهو خبرٌ عن تكليف، ومؤاخذة بما تُكنّ النفوس، والتعبّد