للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

لا تُكتسب، فلهذا رأوه من قبيل ما لا يطاق، فإن كان المراد هذا كان الحديث دليلًا على أنهم كُلِّفوا ما لا يُطاق، وعندنا أن تكليفه جائز عقلًا، واختُلف، هل وقع التعبّد به في الشريعة، أو لا؟. انتهى (١).

وقال القرطبيّ: هذه الآية تدلّ على أن لله تعالى أن يكلّف عباده بما يُطيقونه، وما لا يُطيقونه، ممكنًا كان، أو غير ممكن، لكنه تعالى تفضّل علينا بأنه لم يُكلّفنا بما لا نُطيقه، وبما لا يمكننا إيقاعه، وكمّل علينا فضله برفع الإصر، والمشقّات التي كُلّفها غيرنا. انتهى (٢).

وخلاصة القول: إن الله سبحانه وتعالى رفع عنّا ما لا طاقة لنا به، فله الحمد والمنّة، وله الفضل والنعمة، سبحانك لا نُحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

(المسألة الرابعة): في اختلاف أهل العلم في آية: {وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ} [البقرة: ٢٨٤]:

(اعلم): أنهم اختلفوا فيها على خمسة أقوال:

[الأول]: أنها منسوخة، قاله ابن عباس، وابن مسعود، وعائشة، وأبو هريرة، والشعبيّ، وعطاء، ومحمد بن سيرين، ومحمد بن كعب، وموسى بن عُبيدة، وجماعة من الصحابة والتابعين - رضي الله عنهم -، وأنه بَقِي هذا التكليف حولًا حتى أنزل الله الفرج بقوله: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا}.

ومن حجج هؤلاء حديث أبي هريرة، وابن عبّاس - رضي الله عنهم - المذكور هنا في الباب، وهو حجة واضحة، لا لبس فيه، فيكون هذا القول هو الأرجح، كما سيأتي تحقيقه - إن شاء الله تعالى -.

[القول الثاني]: قول ابن عباس، وعكرمة، والشعبيّ، ومجاهد: إنها محكمةٌ، مخصوصة، وهي في معنى الشهادة التي نَهَى عن كتمها، ثم أَعْلَمَ في هذه الآية أن الكاتم لها الْمُخفِيَ ما في نفسه محاسب.


(١) راجع: "إكمال المعلم" ١/ ٥١٠ - ٥١١.
(٢) "المفهم" ١/ ٣٣٨.