للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

قال الحافظ رحمه الله: ونسبة هذه الأبيات لحسان بن ثابت، وجوابها لأبي سفيان بن الحارث هو المشهور، كما وقع في "صحيح البخاريّ"، وعند مسلم بعض ذلك، وعند شيخ شيوخنا أبي الفتح بن سيّد الناس في "عيون الأثر" له عن أبي عمرو الشيبانيّ أن الذي قال له: "وهان على سراة بني لؤيّ" هو أبو سفيان بن الحارث، وأنه إنما قال: "عَزَّ" بدل "هان"، وأن الذي أجاب بقوله: أدام الله ذلك من صنيع … البيتين هو حسان، قال: وهو أشبه من الرواية التي وقعت في البخاريّ. انتهى.

قال الحافظ: ولم يذكر مستندًا للترجيح، والذي يظهر أن الذي في "الصحيح" أصحّ، وذلك أن قريشًا كانوا يظاهرون كلَّ من عادى النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - عليه، وَيعِدُونهم النصر، والمساعدة، فلمّا وقع لبني النضير من الخذلان ما وقع قال حسان الأبيات المذكورة، مُوَبِّخًا لقريش، وهم بنو لؤيّ، كيف خَذَلوا أصحابهم، وقد ذكر ابن إسحاق أن حسان قال ذلك في غزوة بني قريظة، وأنه إنما ذكر بني النضير استطرادًا، فمن الأبيات المذكورة:

أَلَا يَا سَعْدُ سَعْدَ بَنِي مُعَاذٍ … فَمَا فَعَلَتْ قُرَيْظَةُ وَالنَّضِيرُ

وفيها:

وَقَدْ قَالَ الْكَرِيمُ أَبُو حُبَابٍ … أَقِيمُوا قَيْنُقَاعُ وَلَا تَسِيرُوا

وأولها:

تَقَاعَدَ مَعْشَرٌ نَصَرُوا قُرَيْشًا … وَلَيْسَ لَهُمْ بِبَلْدَتِهِمْ نَصِيرُ

هُمُ أُوتُوا الْكِتَابَ فَضَيَّعُوهُ … فَهُمْ عُمْيٌ عَنِ التَّوْرَاةِ بُورُ

كَفَرْتُمْ بِالْقُرْآنِ لَقَدْ لَقِيتُمْ … بِتَصْدِيِق الَّذِي قَالَ النَّذِيرُ

وفي جواب أبي سفيان بن الحارث في قوله: "وتعلم أيُّ أرضينا تَضِير" ما يُرَجِّح ما وقع في "الصحيح"؛ لأن أرض بني النضير مجاورة لأرض الأنصار، فماذا خَرِبت أضرت بما جاورها، بخلاف أرض قريش، فإنها بعيدة منها بُعْدًا شديدًا، فلا تبالي بخرابها، فكان أبو سفيان يقول: تخربت أرض بني النضير، وتخريبها إنما يَضُرّ أرض من جاورها، وأرضكم هي التي تجاورها، فهي التي تتضرر، لا أرضنا، ولا يتهيأ مثل هذا في عكسه، إلا بتكلف، وهو أن يقال: إن الْمِيرةَ كانت تُحْمَل من أرض بني النضير إلى مكة، فكانوا يرتفقون