ووجه الجمع أن الحصر محمول على ما مضى للأنبياء قبل نبينا - صلى الله عليه وسلم -، فلم تُحبس الشمس إلا ليوشع، وليس فيه نفي أنها تُحبس بعد ذلك لنبينا - صلى الله عليه وسلم -.
وروى الطحاويّ، والطبرانيّ في "الكبير"، والحاكم، والبيهقيّ في "الدلائل": "عن أسماء بنت عُميس أنه - صلى الله عليه وسلم - دعا لَمّا نام على ركبة عليّ، ففاتته صلاة العصر، فرُدّت الشمس حتى صلى عليّ، ثم غربت"، وهذا أبلغ في المعجزة. قال الحافظ رحمه الله: وقد أخطأ ابن الجوزيّ بإيراده له في "الموضوعات"، وكذا ابن تيميّة في "كتاب الرد على الروافض" في زعم وضعه، والله أعلم. وأما ما حَكَى عياض أن الشمس رُدّت للنبيّ - صلى الله عليه وسلم - يوم الخندق لَمّا شُغِلوا عن صلاة العصر، حتى غربت الشمس، فردّها الله عليه، حتى صلى العصر، كذا قال، وعزاه للطحاويّ، والذي رأيته في "مشكل الآثار" للطحاويّ ما قدمتُ ذِكره من حديث أسماء، فإن ثبت ما قال، فهذه قصة ثالثة، والله أعلم.
وجاء أيضًا أنها حُبِست لموسى لَمَّا حَمَل تابوت يوسف، كما تقدم قريبًا، وجاء أيضًا أنها حُبست لسليمان بن داود عليه السلام وهو فيما ذكره الثعلبيّ، ثم البغويّ، عن ابن عباس قال: قال لي عليّ: ما بلغك في قول الله تعالى حكاية عن سليمان - عليه الصلاة والسلام - رُدُّوها عليّ؟ فقلت: قال لي كعب: كانت أربعة عشر فرسًا عَرَضها، فغابت الشمس قبل أن يصلي العصر، فأمر بردّها، فضرب سُوقها، وأعناقها بالسيف، فقتلها، فسلبه الله ملكه أربعة عشر يومًا؛ لأنه ظلم الخيل بقتلها، فقال عليّ: كذب كعب، وإنما أراد سليمان جهاد عدوّه، فتشاغل بعرض الخيل حتى غابت الشمس، فقال للملائكة الموكلين بالشمس بإذن الله لهم: رُدُّوها عليّ، فردُّوها عليه، حتى صلى العصر في وقتها، وأن أنبياء الله لا يَظلمون، ولا يأمرون بالظلم.
قال الحافظ رحمه الله: أورد هذا الأثر جماعة ساكتين عليه، جازمين بقولهم: قال ابن عباس: قلت لعليّ، وهذا لا يثبت عن ابن عباس، ولا عن غيره، والثابت عن جمهور أهل العلم بالتفسير من الصحابة، ومن بعدهم أن الضمير المؤنث في قوله: رُدُّوها للخيل، والله أعلم، انتهى كلام الحافظ رحمه الله (١).
(١) "الفتح" ٧/ ٣٨١ - ٣٨٣، كتاب "فرض الخمس" رقم (٣١٢٤).