[أحدهما]: المستحيل لذاته، كالجمع بين الضدّين، وهذا غير واقع في الشريعة، ولا يجوز التكليف به إجماعًا؛ لقوله عز وجل: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} [البقرة: ٢٨٦]، وقوله: {لَا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلَّا وُسْعَهَا} [البقرة: ٢٣٣].
[الثاني]: المستحيل لا لذاته، بل. لتعلّق علم الله بأنه لا يوجد، وذلك كإيمان أبي لهب، ونحوه، فإن إيمانه بالنظر إلى مجرّد ذاته جائز عقلًا الجوازَ الذاتيّ؛ لأن العقل يقبل وجوده وعدمه، ولو كان إيمانه مستحيلًا عقلًا لذاته لاستحال شرعًا تكليفه بالإيمان مع أنه مكلّف به قطعًا إجماعًا، ولكن هذا الجائز عقلًا الذاتيّ مستحيل من جهة أخرى، وهي تعلّق علم الله تعالى فيما سبق أنه لا يؤمن؛ لاستحالة تغيّر ما سبق به العلم الأزليّ، وهذا النوع من المستحيل يجوز التكليف به شرعًا، وهو واقع بإجماع المسلمين.
وبهذا يتبيّن أنه لا يجوز إطلاق القول في حكم التكليف بما لا يُطاق لا بالجواز ولا بالمنع؛ لأن لفظ التكليف بما لا يطاق من الألفاظ المجملة؛ إذ هو مشتمل على المعنيين المذكورين، وأحدهما حقّ ثابتٌ، وهو المستحيل لا لذاته، بل لتعلّق علم الله بأنه لا يوجد، والآخر باطلٌ لا يَثبُت في الشرع، وهو المستحيل لذاته.
وخلاصة القول: إن شروط المكلّف به له ثلاثة شروط، ذكرتها بقولي:
أُولَى الشُّرُوطِ كَوْنُ ذَا الْفِعْلِ عُدِمْ … وَثَانِهَا كَوْنُهُ أَيْضًا قَدْ عُلِمْ
ثَالِثُهَا كَوْنُهُ مَقْدُورًا عَلَيْهْ … حَتَّى يُحَصَّلَ بِسَعْيِهِ إِلَيْهْ
لِذَلِكَ التَّكْلِيفُ بِالْمُحَالِ … لِذَاتِهِ كَانَ مِنَ الْمُحَالِ
شَرْعًا وَأَمَّا الْمُسْتَحِيلُ لَا لِذِي … فَجَائِزٌ وَوَاقِعٌ فَلْتَحْتَذِي
فَأَوَّلٌ كَالْجَمْعِ بَيْنَ الْمُتَضَادْ … وَالثَّانِ إِيمَانٌ لأَصْحَابِ الْعِنَادْ
وَمِنْ هُنَا لَا يُطْلَقُ التَّكْلِيفُ … بِغَيْرِ مَا يُطَاقُ يَا حَصِيفُ
بَلْ يَجِبُ التَّفْصِيلُ مِثْلَ مَا سَبَقْ … ......................
فإن أردت تحقيق هذه الشروط، وتفاصيلها، فراجع "المنحة الرضيّة على التحفة المرضيّة"، تُكْفَ، وتُشفَ بإذن الله تعالى، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو حسبنا ونعم الوكيل.