للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

فَهَذه الْقُيُودُ إِنْ تَوَفَّرَتْ … حَقَيقَةُ النَّسْخِ لَدَيْهِمْ حَصَلَتْ

فتبيّن بهذا أن إطلاق النسخ على الآية المذكورة هنا لو قلنا: إنه ليس نسخًا على عرف المتأخرين، فإنه جار على عرف السلف، فلا اعتراض أصلًا، فتنبّه، وإن أردت تحقيق المسألة في هذا، فراجع كتابي "المنحة الرضيّة على التحفة المرضيّة"، في الأصول، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

(المسألة السادسة): في ذكر الاختلاف في جواز التكليف بما لا يطاق: قال أبو عبد الله القرطبيّ: اختَلَف الناس في جواز تكليف ما لا يطاق في الأحكام التي هي في الدنيا، بعد اتفاقهم على أنه ليس واقعًا في الشرع، وأن هذه الآية آذنت بعدمه.

قال أبو الحسن الأشعريّ، وجماعة من المتكلمين: تكليف ما لا يطاق جائزٌ عقلًا، ولا يَخْرِم ذلك شيئًا من عقائد الشرع، ويكون ذلك أمارةً على تعذيب المكلف، وقطعًا به، ويَنظُر إلى هذا تكليف الْمُصَوِّر أن يَعْقِد شعيرة.

واختَلَف القائلون بجوازه، هل وقع في رسالة محمد - صلى الله عليه وسلم - أو لا؟، فقالت فرقة: وقع في نازلة أبي لهب؛ لأنه كَلَّفه بالإيمان بجملة الشريعة، ومن جملتها أنه لايؤمن؛ لأنه حَكَم عليه بِتَبِّ اليدين، وصُلِيِّ النار، وذلك مؤذن بأنه لا يؤمن، فقد كَلَّفه بأن يؤمن بأنه لا يؤمن.

وقالت فرقة: لم يقع قط، وقد حَكَى الإجماع على ذلك، وقوله تعالى: {سَيَصْلَى نَارًا} معناه إن وافى، حكاه ابن عطية. انتهى كلام القرطبيّ (١).

قال الجامع عفا الله تعالى عنه: قد حقّقت هذا الموضوع في "التحفة المرضيّة"، وشرحها "المنحة الرضيّة"، في الأصول، ومختصر ما ذكرته هناك: أن من شروط الفعل المكلّف به أن يكون ممكنًا مقدُورًا عليه؛ لأن المطلوب شرعًا حصول الفعل، ولا يُمكن حصوله إلا بأن يكون متصوّرَ الوقوع، أما المحال فلا يُتصوّر وقوعه.

وجملة القول أن التكليف بما لا يُطاق، أو التكليف بالمحال على قسمين:


(١) "الجامع لأحكام القرآن" ٣/ ٤٣٠.