القَدَم، وهو يُطلَق على النقل والتحويل، ومنه نَسَخْتُ الكتاب: أي نقلته، ومنه قوله تعالى: {إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [الجاثية: ٢٩]، ومنه تناسخ المواريث.
وأما اصطلاحًا فهو في عرف عامّة السلف: البيان، فيشمل تخصيص العامّ، وتقييد المطلق، وتبيين المجمل، ورفع الحكم بجملته، وهو ما يُعرف عند المتأخّرين بالنسخ.
قال الإمام ابن القيّم رحمه الله: مراد عامّة السلف بالناسخ والمنسوخ رفع الحكم بجملته تارةً، وهو اصطلاح المتأخّرين، ورفع العامّ، والمطلق، والظاهر، وغيرها تارة، إما بتخصيص، أو تقييد، أو حمل مطلق على مقيّد، وتفسيره، وتبيينه، حتى إنهم يُسمّون الاستثناء، والشرط، والصفة نسخًا؛ لتضمّن ذلك رفع دلالة الظاهر، وبيان المراد، فالنسخ عندهم، وفي لسانهم: هو بيان المراد بغير ذلك اللفظ، بل بأمر خارج عنه، ومن تأمّل كلامهم رأى من ذلك فيه ما لا يُحصى، وزال عنه به إشكالات أوجبها حمل كلامهم على الاصطلاح الحادث المتأخّر. انتهى (١).
وإلى هذا أشرت في "التحفة المرضية" بقولي:
فِي اللُّغَةِ النَّقْلُ كَذَا الإِزَالَةُ … أَمَّا فِي الاصْطِلَاحِ خُذْ مَا أَثْبَتُوا
فَهْوَ الْبَيَانُ فِي اصْطِلَاحِ السَّلَفِ … فَهْوَ أَعَمُّ عِنْدَهُمْ فَلْتَعْرِفِ
يَعُمُّ تَخْصِيصًا لِعَامٍ وَكَذَا … تَقْيِيدُ مُطْلَقٍ وتَبْيِينًا خُذَا
لِمُجْمَلٍ وَرَفْعَ حُكْمٍ جمْلَهْ … فَذَا مُرَادُ هَؤُلَاءِ الْجِلَّهْ
وَالْمُتَأَخِّرُون خَصُّوًا رَفْعَا … حُكْمٍ لِشَرْع بِدَلِيلٍ يُرْعَى
مَعَ تَرَاخٍ ثُمَّ هَذَا يَشْمَلُ … أَرْبَعَةً مِنَ القُيُودِ تُقْبَلُ
أَوَّلُهَا رَفعٌ لأَصْلِ الْحُكْمِ … وَلَيْسَ تَقْيِيدًا لَدَى ذِي الْفَهْمِ
وَالثَّانِ شَرْعِيٌّ وَلَيْسَ رَفْعَا … بَرَاءَةً أَصْلِيَّةً قَدْ تُرْعَى
ثَالِثُهَا كَوْنُ دَلِيلٍ شَرْعِي … لَا غَيْرُ مِثْلُ مَوْتِهِ ذِي الْقَطْعِ
رَابِعُهَا كَوْنُهُ ذَا تَرَاخِ … إِذْ غَيْرُهُ مُخَصِّصٌ يُوَاخِي
(١) "إعلام الموقّعين" ١/ ٦٦ - ٦٧.