للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

السَّرية جميع ما غَنِمَت، والكافة على خلافه. انتهى (١).

وقوله: (وَالْخُمْسُ فِي ذَلِكَ وَاجِبٌ كُلِّهِ) قال القرطبيّ رحمه اللهُ؛ يعني: أن التخميس لا بُدَّ منه فيما غَنِمته السَّرية، وفيما غَنِمه الجيش، وعلى هذا يكون "كُلِّهِ" مخفوضًا تأكيدًا لـ"ذلك" المجرور بـ "في"، وقد قيّدناه بالرفع، على أن يكون تأكيدًا لـ"الخمسُ" المرفوع، وفيه بُعْدٌ، والله أعلم. انتهى (٢).

وقال النوويّ رحمه اللهُ: قوله: "كُلِّهِ" مجرور تأكيدٌ لقوله: "في ذلك"، وهذا تصريح بوجوب الخمس في كلّ الغنائم، ورَدٌّ على مَن جَهِل، فزَعَم أنه لا يجب، فاغتر به بعض الناس، وهذا مخالف للإجماع، وقد أوضحت هذا في جزء جمعته في قسمة الغنائم، حين دعت الضرورة إليه، في أول سنة أربع وسبعين وستمائة. انتهى (٣).

وقال في "الفتح" عند قول البخاريّ: "كان يُنَفِّل بعض من يبعث من السرايا لأنفسهم خاصةً، سوى قَسْم عامة الجيش" ما نصّه: وأخرجه مسلم، وزاد في آخره: "والخمس واجب في ذلك كله"، وليس فيه حجةٌ؛ لأن النفل (٤) من الخمس، لا من غيره، بل هو مُحْتَمِل لكل من الأقوال، نعم فيه دليل على أنه يجوز تخصيص بعض السرية بالتنفيل دون بعض.

قال ابن دقيق العيد: للحديث تعلُّق بمسائل الإخلاص في الأعمال، وهو موضع دقيق المأخذ، ووجه تعلّقه به أن التنفيل يقع للترغيب في زيادة العمل، والمخاطرة في الجهاد، ولكن لم يضرّهم ذلك قطعًا؛ لكونه صدر لهم من النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، فيدلّ على أن بعض المقاصد الخارجة عن محض التعبد لا تقدح في الإخلاص، لكن ضَبْط قانونها وتمييزها مما تضرّ مداخلته مشكلٌ جدًّا. انتهى (٥)، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

{إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ}.


(١) "المفهم" ٣/ ٥٣٩.
(٢) "المفهم" ٣/ ٥٤٠.
(٣) "شرح النوويّ" ١٢/ ٥٧.
(٤) هكذا نسخة "الفتح": "لأن النفل … إلخ"، والظاهر أن الأولى التعبير بقوله: "وليس فيه حجةٌ لكون النفل من الخمس"، فتأمله بالإمعان، والله تعالى أعلم.
(٥) "الفتح" ٧/ ٤١٣، كتاب "فرض الخمس" رقم (٣١٣٥).