للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

(الَّذِي تَسْأَلانِ عَنْهُ) يعني: أبا جهل، (قَالَ: فَابْتَدَرَاهُ)؛ أي: تسارعا إليه، وتسابقا في ضربه، (فَضَرَبَاهُ بِسَيْفَيْهِمَا، حَتَّى قَتَلَاهُ، ثُمَّ انْصَرَفَا إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَأَخْبَرَاهُ، فَقَالَ: "أيُّكُمَا قَتَلَهُ؟ "، فَقَالَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا: أَنَا قَتَلْتُ، فَقَالَ: "هَلْ مَسَحْتُمَا سَيْفَيْكُمَا؟ "، قَالَا: لَا، فَنَظَرَ فِي السَّيْفَيْنِ) إنما قال ذلك؛ ليستدلّ بهما على حقيقة كيفية قتلهما، فعَلِم أن ابن الجموح هو المثخن، وقال المهلَّب: نَظَره - صلى الله عليه وسلم - في السيفين؛ ليرى ما بلغ الدم من سيفيهما، ومقدار عمق دخولهما في جسم المقتول؛ ليحكم بالسيف لمن كان في ذلك أبلغ، ولذلك سألهما أوّلًا: هل مسحتما سيفيكما؛ لأنهما لو مسحاهما لَمَا تبين المراد من ذلك (١). (فَقَالَ: "كِلَاكُمَا قَتَلَهُ") قال الطيبيّ - رحمه الله -: أفرد الضمير في "قتله" نظرًا إلى لفظ "كلاكما"، كما في قوله تعالى: {كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَهَا} الآية [الكهف: ٣٣]. انتهى (٢).

وإنما قال ذلك، وإن كان الذي أثخنه هو الذي قتله؛ تطييبًا لقلب الآخر، من حيث إن له مشاركةً في القتل، (وَقَضَى بِسَلَبِهِ)؛ أي: سلب أبي جهل (لِمُعَاذِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْجَمُوحِ) وإنما حكم له مع أنهما اشتركا في القتل؛ لأن القتل الشرعيّ الذي يتعلق به استحقاق السلب هو الإثخان، وهو إنما وُجد منه.

وقال الإسماعيليّ: إن الأنصاريين ضرباه، فأثخناه، وبلغا به المبلغ الذي يُعلم أنه لا يجوز بقاؤه على تلك الحال، إلا قدر ما يطفأ، فدلّ قوله: "كلاكما قتله" على أن كلًّا منهما وصل إلى قطع الحشوة، وإبانتها، وبه يُعلم أن عمل كل من سيفيهما كعمل الآخر، غير أن أحدهما سبق بالضرب، فصار في حكم المثبت لجراحه، حتى وقعت به ضربة الثاني، فاشتركا في القتل، إلا أن أحدهما قتله، وهو ممتنع، والآخر قتله، وهو مُثْبَتٌ، فلذلك قضى بالسلب للسابق إلى إثخانه، ذكره في "العمدة" (٣).


(١) "عمدة القاري شرح صحيح البخاريّ" ٢٢/ ٣١٧.
(٢) "الكاشف عن حقائق السنن" ٩/ ٢٧٧٥.
(٣) "عمدة القاري" ٢٢/ ٣١٧ رقم (٣١٤١).