للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

في الدخول (فَدَخَلُوا) وفي رواية للبخاريّ: "فأدخلهم"، (ثُمَّ جَاء) يرفا (فَقَالَ) لعمر - رضي الله عنه - (هَلْ لَكَ دي عَبَّاسٍ، وَعَلِيٍّ؟) - رضي الله عنهما -، زاد في رواية للبخاريّ: "يستأذنان"، (قَالَ) عمر - رضي الله عنه - (نَعَمْ، فَأَذِنَ لَهُمَا) زاد في بعض النسخ: "فدخلا"، (فَقَالَ عَبَّاسٌ) وفي بعض النسخ: "فقال العبّاس": (يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ اقْضِ بَيْنِي وَبَيْنَ هَذَا الْكَاذِبِ الآثِمِ الْغَادِرِ الْخَائِنِ) قال القرطبيّ - رَحِمَهُ اللهُ -: قول العبَّاس - رضي الله عنه - هذا قول لم يُرِدْ به ظاهره؛ لأن عليًّا - رضي الله عنه - منزَّه عن ذلك كله، مبرأ عنه قطعًا، ولو أراد ظاهره لكان محرَّمًا، ولاستحال على عمر، وعثمان، وعبد الرحمن، والزبير، وسعد - رضي الله عنهم -، وهم المشهود لهم بالقيام بالحق، وعدم المبالاة بمن يخالفهم فيه، فكيف يجوز عليهم الإقرار على المنكر؟! هذا ما لا يصح؛ وإنما هذا قول أخرجه من العبَّاس الغضب، وصولة سلطنة العمومة، فإن العمّ صِنْو الأب، ولا شك أن الأب إذا أطلق هذه الألفاط على ولده؛ إنما يُحْمَل ذلك منه على أنه قَصَد الإغلاظ، والرَّدع مبالغةَ في تاديبه، لا أنَّه موصوفٌ بتلك الأمور، ثم انضاف إلى هذا: أنهم في مُحَاجّة ولاية دينية، فكأن العباس يعتقد: أن مخالفته فيها لا تجوز، وأن المخالفة فيها تؤدي إلى أن يَتصف المخالف بتلك الأمور، فأطلقها ببوادر الغضب على هذه الأوجه، ولمّا علم الحاضرون ذلك لم يُنكروه، والله تعالى أعلم.

وهذا التأويل أشبه ما ذُكلر في ذلك، وإلا فتَطريق الغلط لبعض النقلة لهذه القصة فيه بُعْد لِحِفْظهم، وشُهرتهم، والذي اضطرنا إلى تقدير أحد الأمرين ما نعلمه من أحوال تلك الجماعة، ومن عظيم منازلهم في الدِّين، والورع، والفضل، كيف لا، وهم من هم - رضي الله عنهم -، وحشرنا في زمرتهم. انتهى كلام القرطبيّ - رَحِمَهُ اللهُ - (١)، وهو تحقيق نفيسٌ جدًّا، والله تعالى أعلم.

وقال النوويّ - رَحِمَهُ اللهُ -: قال جماعة من العلماء: معناه: هذا الكاذب إن لم يُنْصِف، فحُذف الجواب.

وقال القاضي عياض: قال المازريّ: هذا اللفظ الذي وقع لا يليق ظاهره بالعباس، وَحَاشَ لعليّ أن يكون فيه بعض هذه الأوصاف، فضلًا عن كلها،


(١) "المفهم" ٣/ ٥٦١.