ولسنا نقطع بالعصمة إلا للنبيّ - صلى الله عليه وسلم -، ولمن شَهِدَ له بها، لكنا مأمورون بحسن الظنّ بالصحابة - رضي الله عنهم - أجمعين، ونَفْي كلِّ رَذِيلة عنهم، وإذا انسدّت طُرُق تأويلها نسبنا الكذب إلى رُواتها، قال: وَقد حَمَل هذا المعنى بعض الناس على أن أزال هذا اللفظ من نسخته؛ تورّعًا عن إثبات مثل هذا، ولعله حَمَل الوهم على رُواته.
قال المازريّ: وإذا كان هذا اللفظ لا بُدّ من إثباته، ولم نُضِف الوهم إلى رُواته، فأجْود ما حُمِل عليه أنه صدر من العباس على جهة الإدلال على ابن أخيه؛ لأنه بمنزلة ابنه، وقال ما لا يعتقده، وما يعلم براءة ذمة ابن أخيه منه، ولعلّه قصد بذلك رَدْعه عما يعتقد أنه مُخطئ فيه، وأن هذه الأوصاف يتصف بها لو كان يفعل ما يفعله عن قصد، وأن عليّا كان لا يراها إلا موجبة لذلك في اعتقاده، وهذا كما يقول المالكيّ: شارب النبيذ ناقص الدين، والحنفيّ يعتقد أنه ليس بناقص، فكل واحد محقّ في اعتقاده، ولا بُدّ من هذا التأويل؛ لأن هذه القضيّة جرت في مجلس فيه عمر - رضي الله عنه -، وهو الخليفة، وعثمان، وسعد، وزبير، وعبد الرحمن - رضي الله عنهم -، ولم يُنكر أحد منهم هذا الكلام، مع تشددهم في إنكار المنكَر، وما ذلك إلا لأنهم فَهِموا بقرينة الحال أنه تكلم بما لا يعتقد ظاهره مبالغة في الزجر.
قال المازريّ: وكذلك قول عمر - رضي الله عنه -: "إنكما جئتما أبا بكر، فرأيتماه كاذبًا، آثمًا، غادرًا، خائنًا"، وكذلك ذكر عن نفسه أنهما رأياه كذلك، وتأويل هذا على نحو ما سبق، وهو أن المراد أنكما تعتقدان أن الواجب أن نفعل في هذه القضية خلاف ما فعلته أنا وأبو بكر، فنحن على مقتضى رأيكما لو أتينا ما أتينا، ونحن معتقدان ما تعتقدانه، لَكُنّا بهذه الأوصاف، أو يكون معناه: أن الإمام إنما يخالَف إذا كان على هذه الأوصاف، ويُتَّهَم في قضاياه، فكان مخالفتكما لنا تُشعر من رآها أنكما تعتقدان ذلك فينا، والله أعلم. انتهى (١).
قال الجامع عفا الله عنه: هذا الذي أوّل به المازريّ قول العبّاس في عليّ - رضي الله عنهما -: "اقض بيني وبين هذا الكاذب الآثم الغادر الخائن" بأنه من باب