الإدلال على ابن أخيه، لا بأس به، لكن عندي أحسن منه ما أشار إليه القرطبيّ - رَحِمَهُ اللهُ - في كلامه السابق، وهو أن يُحمَل على أن هذا مما صدر منه حال غلبة الغضب، والإنسان يتكلّم في حال الغضب بمثل هذا، ويُعذر؛ لغلبة الغضب عليه، كما يُعذر في حالة السكر، فقد قال حمزة - رضي الله عنه - للنبيّ - صلى الله عليه وسلم - لَمّا لامه فيما فعل في شَارِفَي عليّ - رضي الله عنه -: "هل أنتم إلا عبيد لأبي؟ "، فعَذَره - صلى الله عليه وسلم -؛ لِسُكْره، ورجع القهقرى، والقصّة مشهورة في "الصحيح" وغيره.
والحاصل: أن ما يصدر في حال غلبة الغضب من الكلام القبيح، ومن سبّ الخصم بعضهم لبعض، يُتسامح فيه، ويُعذرون به، ولهذا سكت عمر، والحاضرون عنده، ولم يُنكروه؛ لِمَا ذكرناه، فتأمّل، والله تعالى الهادي إلى سواء السبيل.
وقال في "الفتح" عند شرح قوله: "استبّا": قال ابن التين: معنى قوله في هذه الرواية: "اسْتَبّا"؛ أي: نَسَب كل واحد منهما الآخر إلى أنه ظلمه، وقد صَرّح بذلك في هذه الرواية بقوله:"اقض بيني وبين هذا الظالم"، قال: ولم يُرِد أنه يظلم الناس، وإنما أراد ما تأوّله في خصوص هذه القصة، ولم يَرِد أن عليًّا سَبّ العباس بغير ذلك؛ لأنه صنو أبيه، ولا أن العباس سب عليًّا بغير ذلك؛ لأنه يعرف فضله، وسابقته.
وقال المازريّ: هذا اللفظ لا يليق بالعباس، وحاشا عليًّا من ذلك، فهو سهو من الرواة، وإن كان لا بُدّ من صحته فليؤَوَّل بأن العباس تكلم بما لا يعتقد ظاهره؛ مبالغةً في الزجر، ورَدْعًا لِمَا يعتقد أنه مخطئ فيه، ولهذا لم يُنكره عليه أحد من الصحابة، لا الخليفة، ولا غيره، مع تشددهم في إنكار المنكر، وما ذاك إلا أنهم فَهِموا بقرينة الحال أنه لا يريد به الحقيقة. انتهى.
قال الحافظ: ولم أَقِف في شيء من طرق هذه القصة على كلام لعليّ في ذلك، وإن كان المفهوم من قوله:"استَبّا" بالتثنية أن يكون وقع منه في حقّ العباس كلام.
وقال غيره: حاشا عليّا أن يكون ظالِمًا، والعباس أن يكون ظالِمًا بنسبة الظلم إلى عليّ، وليس بظالم.
وقيل: في الكلام حذف، تقديره؛ أي: هذا الظالم إن لم يُنْصِف، أو