وأعجب من ذلك جَزْم ابن الجوزيّ، ثم الشيخ محيي الدين بأن عليًّا وعباسًا لم يطلبا من عمر إلا ذلك، مع أن السياق صريح في أنهما جاءاه مرتين في طلب شيء واحد، لكن العذر لابن الجوزيّ والنوويّ أنهما شرحا اللفظ الوارد في مسلم دون اللفظ الوارد في البخاريّ، والله أعلم.
وأما قول عمر:"جئتني يا عباس تسألني نصيبك من ابن أخيك"، فإنما عبَّر بذلك لبيان قسمة الميراث، كيف يُقْسَم أن لو كان هناك ميراث؟ لا أنه أراد الغض منهما بهذا الكلام.
وزاد الإمامي عن ابن شهاب عند عُمر بن شَبّة في آخره: (فأَصْلِحا أمركما، وإلا لم يُرجع والله إليكما، فقاما، وتركا الخصومة، وأُمضيت صدقةً"، وزاد شعيب في آخره: "قال ابن شهاب: فحَدَّثت به عروة، فقال: صدق مالك بن أوس، أنا سمعت عائثة تقول، فذكر حديثًا، قال: وكانت هذه الصدقة بيد عليّ منعها عبّاسًا، فغلبه عليها، ثم كانت بيد الحسن، ثم بيد الحسين، ثم بيد عليّ بن الحسين، والحسن بن الحسن، ثم بيد زيد بن الحسن، وهي صدقة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حقًّا".
ورَوَى عبد الرزاق، عن معمر، عن الزهرفي مثله، وزاد في آخره: "قال معمر: ثم كانت بيد عبد الله بن حسن، حتى ولي هؤلاء - يعني: بني العباس - فقبضوها"، وزاد إسماعيل القاضي: "أن إعراض العباس عنها كان في خلافة عثمان"، قال عمر بن شبة: سمعت أبا غسان - هو محمد بن يحيى المدني - يقول: "إن الصدقة المذكورة اليوم بيد الخليفة يَكْتب في عَهْده يولِّي عليها مِنْ قِبَله مَن يقبضها، ويفرّقها في أهل الحاجة، من أهل المدينة".
قال الحافظ: كان ذلك على رأس المائتين، ثم تغيّرت الأمور، والله المستعان. انتهى (١).
وقد استشكل الكرمانيّ - عَزَّ وَجَلَّ -، فقال: إن كان الدفع إليهما صوابًا، فلِمَ لم يدفعه عمر - رضي الله عنه - في أول الحال؛ وإلا فلم دفعه في الآخر؟
وأجاب بأنه مَنَعهما أوّلًا على الوجه الذي كانا يطلبانه من التملك، وثانيًا
(١) "الفتح" ٧/ ٣٦٠ - ٣٦١، كتاب "فرض الخمس" رقم (٣٠٩٤).