للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

أعطاهما على وجه التصرف فيها، كما تصرف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وصاحباه: أبو بكر وعمر - رضي الله عنهما -.

وقال الخطابيّ هذه القصة مُشكِلة جدًّا، وذلك أنهما إذا كانا قد أخذا هذه الصدقة من عمر على الشريطة التي شَرَطها عليهم، وقد اعترفا بأنه قال - صلى الله عليه وسلم -: "ما تركنا صدقةٌ"، وقد شهد المهاجرون بذلك، فما الذي بدا لهما بعدُ حتى تخاصما؟

والمعنى في ذلك أنه كان يَشُقّ عليهما الشركة، فطلبا أن يُقْسَم بينهما؛ ليستبدّ كل واحد منهما بالتدبير، والتصرف فيما يصير إليه، فمنعهما عمر - رضي الله عنه - القَسْم؛ لئلا يجري عليها اسم المُلك؛ لأن القسمة إنما تقع في الأموال، ويتطاول الزمان، فتُظَنّ به الملكية، وقال أبو داود: ولمّا صارت الخلافة إلى عليّ - رضي الله عنه - لم يغيرها عن كونها صدقة. انتهى (١).

(وَاللهُ يَعْلَمُ إِنَّهُ)؛ أي: إن أبا بكر - رضي الله عنه -، و"إنه" بكسر الهمزة؛ لدخول اللام في خبرها، كما قال في "الخلاصة":

وَبَعْدَ ذَاتِ الْكَسْرِ تَصْحَبُ الْخَبَرْ … لَامُ ابْتِدَاءٍ نَحْوُ "إِنِّي لَوَزَرْ"

(لَصَادِقٌ) فيما قاله، (بَارٌّ) بتشديد الراء: اسم فاعل من برّ، يقال: بَرَّ الرجلُ يَبَرّ بِرًّا، وزانُ عَلِمَ يَعْلَمُ عِلْمًا، فهو بَرّ بالفتح، وبارّ أيضًا؛ أي: صادقٌ، أو تقيّ، وهو خلاف الفاجر، وجمع الأول أَبْرَاز، وجمع الثاني: بَرَرَ"، مثلُ كافر وكَفَرَةٌ، ومنه قولهم للمؤذّن: "صدقتَ، وبَرَرتَ"؛ أي: صدقت في دعواك إلى الطاعات، وصِرْت بارًّا، دعاء له بذلك، ودعاءٌ له بالقبول، والأصل: بَرّ عملك، وبَرِرْتُ والدي أبرّه برًّا، وبُرُورًا: أحسنتُ الطاعة إليه، ورَفقتُ به، وتحرّيتُ محابّه، وتوقّيتُ مكارهه، قاله الفيّوميّ (٢).

(رَاشِدٌ) اسم فاعل، من رَشَدَ رَشَدًا، من باب تَعِبَ، ورَشَد يرشُد، من باب نصر، والاسم: الرَّشَادُ، من الرشد، وهو الصلاح، وهو خلاف الغيّ والضلال، وهو إصابة الحقّ (٣)، وقوله: (تَابعٌ لِلْحَقِّ) مؤكّد لما سبق، (ثُمَّ تُوُفِّيَ) بالبناء


(١) "عمدة القاري" ١٥/ ٢٥.
(٢) "المصباح المنير" ١/ ٤٣.
(٣) راجع: "المصباح المنير"١/ ٢٢٧.