٦ - (ومنها): أن الطحاويّ احتجّ بهذا الحديث للجمهور فيمن قال لامرأته: أنت طالقٌ، ونوى في نفسه ثلاثًا أنه لا يقع إلا واحدةً - خلافًا للشافعيّ، ومن وافقه - قال: لأن الخبر دلّ على أنه لا يجوز وقوع الطلاق بنيّة، لا لفظ معها.
وتُعُقّب بأنه لفظ بالطلاق، ونوى الفرقة التامّة، فهي نيّةٌ صحبها لفظٌ.
٧ - (ومنها): أن الطحاويّ احتجّ به أيضًا لمن قال فيمن قال لامرأته: يا فلانة، ونوى بذلك طلاقها إنها لا تطلّق، خلافًا لمالك وغيره؛ لأن الطلاق لا يقع بالنيّة، دون اللفظ، ولم يأت بصيغة، لا صريحة، ولا كناية.
٨ - (ومنها): أنه استُدلّ به على أن من كتب الطلاق طلّقت امرأته؛ لأنه عزم بقلبه، وعمل بكتابته، وهو قول الجمهور، وشرط مالكٌ فيه الإشهاد على ذلك، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
(المسألة الرابعة): قال في "الفتح" نقلًا عن المازريّ: ذهب ابن الباقلّانيّ - يعني ومن تبعه - إلى أن من عزم على المعصية بقلبه، ووَطّن عليها نفسه أنه يأثم، وحمل الأحاديث الواردة في العفو عمن همّ بسيّئة، ولم يعملها على الخاطر الذي يمرّ بالقلب، ولا يستقرّ.
قال المازريّ: وخالفه كثير من الفقهاء، والمحدّثين، والمتكلّمين، ونقل عن نصّ الشافعيّ، ويؤيّده قوله في حديث أبي هريرة فيما أخرجه مسلم، من طريق همّام عنه بلفظ:"فأنا أغفرها له ما لم يعملها"، فإن الظاهر أن المراد بالعمل هنا عمل الجارحة بالمعصية المهموم بها.
وتعقّبه عياض بأن عامّة السلف، وأهل العلم على ما قال ابن الباقلّانيّ؛ لاتفاقهم على المؤاخذة بأعمال القلوب، لكنّهم قالوا: إن العزم على السيّئة يُكتب سيّئةً مجرّدة، لا السيّئة التي همّ أن يعملها، كمن يأمر بتحصيل معصية، ثم لا يفعلها بعد حصولها، فإنه يأثم بالأمر المذكور، لا بالمعصية.
ومما يدلّ على ذلك حديث:"إذا التقى المسلمان بسيفيهما، فالقاتل والمقتول في النار"، قيل: هذا القاتل، فما بال المقتول؟ قال:"إنه كان حريصًا على قتل صاحبه". والذي يظهر أنه من هذا الجنس، وهو أنه يُعاقب على عزمه بمقدار ما يستحقّه، ولا يُعاقب عقاب من باشر القتل حسًّا.
وهنا قسم آخر، وهو من فعل المعصية، ولم يتب منها، ثمّ همّ أن يعود