١٦ - (ومنها): أنه استُدِلّ به على أن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - كان لا يملك شيئًا من الفيء، ولا خمس الغنيمة إلا قدر حاجته، وحاجة من يمونه، وما زاد على ذلك كان له فيه التصرف بالقسم، والعطية.
وقال آخرون: لم يجعل الله لنبيّه - صلى الله عليه وسلم - مُلك رقبة ما غَنِمه، وإنما مَلَّكه منافعه، وجعل له منه قدر حاجته، وكذلك القائم بالأمر بعده.
وقال ابن الباقلاني في الردّ على من زعم أن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - يورث: احتجوا بعموم قوله تعالى: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ}[النساء: ١١] قال: أما من أنكر العموم، فلا استغراق عنده لكل من مات أنه يورث، وأما من أثبته فلا يُسَلِّم دخول النبيّ - صلى الله عليه وسلم - في ذلك، ولو سُلِّم دخوله لوجب تخصيصه؛ لصحة الخبر، وخبر الآحاد يخصِّص، وإن كان لا يَنسخ، فكيف بالخبر إذا جاء مثل مجيء هذا الخبر، وهو:"لا نورث"؟ انتهى (١).
قال الجامع عفا الله عنه: قول الباقلّانيّ: "وإن كان لا يَنسخ" فيه أن الحقّ جواز نسخ الكتاب بخبر الواحد، راجع ما كتبته على "الكوكب الساطع" في الأصول (ص ٢٣٢ - ٢٣٣)، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
(المسألة الرابعة): في اختلاف أهل العلم في معنى قوله - صلى الله عليه وسلم -: "إنا لا نورث ما تركناه، فهو صدقة":
ذهب قوم من أهل البصرة منهم ابن علية إلى أن هذا مما خُصّ به نبينا - صلى الله عليه وسلم - زيادة في فضله، كما خُصّ بما خُصّ به من نكاح فوق الأربع بالموهوبة من غير صداق، إلى أشياء خصه الله بها؛ زيادةً في فضائله - صلى الله عليه وسلم -.
وذهب آخرون إلى أن ذلك للأنبياء كلهم، لا يورثون، وما تركوا فهو صدقة.
واحتجوا بما أخرجه الدارقطنيّ عن ابن شهاب، عن مالك بن أوس بن الحدثان، قال: سمعت عمر بن الخطاب يقول: حدّثنا أبو بكر، أنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول:"إنا معشر الأنبياء ما تركنا فهو صدقة".
(١) "الفتح" ٧/ ٣٥٩ - ٣٦٠، كتاب "فرض الخمس" رقم (٣٠٩٤).