الكُرَاع والسلاح، عُدَّةً في سبيل الله - عَزَّ وَجَلَّ -، وهذا النوع من الأموال هو السهم الذي وقع فيه بعده فيه من النزاع ما وقع إلى اليوم.
فأما الزكوات، والغنائم، وقسمة المواريث، فإنها مُعيَّنَةٌ لأهلها، لا يَشرَكهم غيرهم فيها، فلم يُشكل على ولاة الأمر بعده من أمرها ما أشكل عليهم من الفيء، ولم يقع فيها من النزاع ما وقع فيه، ولولا إشكالُ أَمْره عليهم، لَمَا طَلَبت فاطمة بنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ميراثها مِن تَرِكَته، وظنّت أنه يورث عنه ما كان مُلكًا له كسائر المالكين، وخفي عليها - رضي الله عنها - حقيقة الملك الذي ليس مما يورث عنه، بل هو صدقةٌ بعده، ولَمّا عَلِم ذلك خليفته الراشد البارّ الصّدّيق، ومن بعده من الخلفاء الراشدين، لم يجعلوا ما خلفه من الفيء ميراثًا يُقسم بين ورثته، بل دفعوه إلى عليّ والعبّاس، يعملان فيه عملَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، حتى تنازعا فيه، وترافعا إلى أبي بكر الصّدّيق وعمر - رضي الله عنهم -، ولم يَقسِم أحدٌ منهما ذلك ميراثًا، ولا مكّنا منه عبّاسًا وعليًّا، وقد قال الله تعالى:{مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى} إلى قوله: {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ} الآيات [الحشر: ٧ - ١٠]، فأخبر سبحانه أن ما أفاء الله على رسوله - صلى الله عليه وسلم - بجملته لمن ذُكر في هذه الآيات، ولم يخصّ منه خمسه بالمذكورين، بل عمّم، وأطلق، واستوعب، ويُصرف على المصارف الخاصّة، وهم أهل الخمس، ثم على المصارف العامّة، وهم المهاجرون والأنصار، وأتباعهم إلى يوم الدين، فالذي عمِل به هو، وخلفاؤه الراشدون هو المراد من هذه الآيات، ولذلك قال عمر بن الخطّاب - رضي الله عنه - فيما رواه أحمد - رَحِمَهُ اللهُ - وغيره عنه:"ما أحد أحقّ بهذا المال من أحد، وما أنا أحقّ به من أحد، والله ما من المسلمين أحدٌ إلا وله في هذا المال نصيبٌ، إلا عبد مملوك، ولكنّا على منازلنا من كتاب الله، وقَسْمِنا من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فالرجل وبلاؤه في الإسلام، والرجل وقِدَمه في الإسلام، والرجل وغَنَاؤه في الإسلام، والرجل وحاجته، ووالله لئن بقِيتُ لهم ليأتينّ الراعي بجبل صنعاء حظّه من هذا المال، وهو يرعى مكانه".
فهؤلاء المسمّون في آية الفيء هم المسمّون في آية الخمس؛ لأنهم المستحقّون لجملة الفيء، وأهل الخمس لهم استحقاقان: استحقاقٌ خاصّ من الخمس، واستحقاق عامّ من جملة الفيء، فإنهم داخلون في النصيبين، وكما