للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

أربعة أخماسه للنبيّ - صلى الله عليه وسلم - وله خمس الخمس، كما في الغنيمة، وأربعة أخماس الخمس لمستحق نظيرها من الغنيمة.

وقال الجمهور: مصرف الفيء كله إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، واحتجوا بقول عمر - رضي الله عنه -: "فكانت هذه لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - خاصّةً"، وتأول الشافعيّ قول عمر - رضي الله عنه - المذكور بأنه يريد الأخماس الأربعة (١).

وقال الإمام ابن القيّم - رَحِمَهُ اللهُ - في "الهدي": وقد اختلف الفقهاء في الفيء، هل كان ملكًا لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -، يتصرّف فيه كيف يشاء، أو لم يكن ملكًا له؟ على قولين في مذهب أحمد وغيره.

والذي تدلّ عليه سُنَنه، وهديه أنه كان يتصرّف فيه بالأمر، فيضعه حيث أمره الله، ويَقسمه على من أُمر بقسمته عليهم، فلم يكن يتصرّف فيه تصرّف المالك بشهوته، وإرادته، يُعطي من أحبّ، ويمنع من أحبّ، وإنما كان يتصرّف فيه تصرّف العبد المأمور، يُنقذ ما أمره به سيّده ومولاه، فيُعطي من أُمر بإعطائه، ويمنع من أُمر بمنعه، وقد صَزَحَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بهذا، فقال: "والله إني لا أعطي أحدًا، ولا أمنعه، إنما أنا قاسم أضع حيث أُمرت"، فكان عطاؤه ومَنْعه وقَسْمه بمجرّد الأمر، فإن الله سبحانه خئره بين أن يكون عبدًا رسولًا، وبين أن يكون مَلِكًا رسولًا، فاختار أن يكون عبدًا رسولًا.

والفرق بينهما أن العبد الرسول لا يتصرّف إلا بأمر سيّده ومُرسله، والملِك الرسول له أن يُعطي من يشاء، وَيمنع من يشاء، كما قال تعالى للملك الرسول سليمان - عليه السلام -: {هَذَا عَطَاؤُنَا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ (٣٩)} [ص: ٣٩]؛ أي: أعط من شئت، وامنع من شئت، لا نُحاسبك، وهذه المرتبة التي عُرِضت على نبيّنا - صلى الله عليه وسلم -، فرغِب عنها إلى ما هو أعلى منها، وهي مرتبة العبوديّة المحضة التي تصرّف صاحبها فيها مقصور على أمر السيّد في كلّ دقيق وجليل.

والمقصود أن تصرّفه في الفيء بهذه المثابة، فهو ملك يُخالف حكم غيره من المالكين، ولهذا كان يُنفق مما أفاء الله عليه، مما لم يوجِف المسلمون عليه بِخَيْل، ولا رِكاب على نفسه، وأهله نفقة سنتهم، ويجعل الباقي في


(١) "الفتح" ٧/ ٣٦١، كتاب "فرض الخمس" رقم (٣٠٩٤).