للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

أحدٌ من خلفائه يجمعون اليتامى، والمساكين، وأبناء السبيل، وذوي القربى، ويقسمون أربعة أخماس الفيء بينهم على السويّة، ولا على التفضيل، كما لم يكونوا يفعلون ذلك في الزكاة، فهذا هديه، وسيرته - صلى الله عليه وسلم -، وهو فصل الخطاب، ومحض الصواب. انتهى كلام العلامة ابن القيّم - رَحِمَهُ اللهُ - (١).

قال الجامع عفا الله تعالى عنه: هذا الذي حقّقه ابن القيّم - رَحِمَهُ اللهُ - تحقيقٌ حسنٌ جدًّا، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

(المسألة السادسة): قال أبو عبد الله القرطبيّ - رَحِمَهُ اللهُ - في "تفسيره": لم يختلف العلماء أن قوله تعالى: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ} [الأنفال: ٤١] ليس على عمومه، وأنه يدخله التخصيص، فمما خصّصوه بإجماع أن قالوا: سلب المقتول لقاتله، إذا نادى به الإمام، وكذلك الأسارى، الخيرة فيهم إلى الإمام بلا خلاف. ومما خُصّ منه أيضًاا لأرض، والمعنى: ما غنِمتم من ذهب وفضّة، وسائر الأمتعة، والسبي. وأما الأرض فغير داخلة في عموم هذه الآية؛ لما روى أبو داود عن عمر بن الخطّاب - رضي الله عنه - أنه قال: لولا آخر الناس ما فتحت قريةً إلا قسمتها كما قسم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خيبر.

ومما يُصحّح هذا المذهب ما رواه مسلم في "صحيحه" عن أبي هريرة - رضي الله عنه -، عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، قال: "منَعَت العراق قفيزها، ودرهمها، ومَنَعت الشام مُدّها، ودينارها" الحديث. قال الطحاويّ: "منعت" بمعنى ستمنع، فدلّ ذلك على أنها لا تكون للغانمين؛ لأن ما ملكه الغانمون لا يكون فيه قفيزٌ، ولا درهم، ولو كانت الأرض تُقسم ما بقي لمن جاء بعد الغانمين شيء، والله تعالى يقول: {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ} [الحشر: ١٠] بالعطف على قوله: {لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ [الحشر: ٨]. قال: وإنما يُقسم ما يُنقل من موضع إلى موضع. وقال الشافعيّ: كلّ ما حصل من الغنائم من أهل الحرب من شيء، قلّ، أو كثر من دار، أو أرض، أو متاع، أو غير ذلك، قُسم، إلا الرجال البالغين، فإن الإمام فيهم مخيّرٌ أن يمُنّ، أو يقتُل، أو يسبي، وسبيل ما أُخذ منهم، وسُبي سبيل الغنيمة، واحتجّ بعموم الآية، قال: والأرض مغنومة، لا


(١) "زاد المعاد في هدي خير العباد" ٥/ ٨٣ - ٨٧.