وتعقبه الشاشيّ بأن قرينة قوله:"غَضِبت" تدل على أنها امتنعت من الكلام جملة، وهذا صريح الهجر.
وأما ما أخرجه أحمد، وأبو داود، من طريق أبي الطفيل، قال:"أرسلت فاطمة إلى أبي بكر: أنت وَرِثت رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - أم أهله؟ قال: لا، بل أهله، قالت: فأين سهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟، قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "إن الله إذا أطعم نبيًّا طعمة، ثم قبضه، جعلها للذي يقوم من بعده، فرأيت أن أردّه على المسلمين، قالت: فأنت وما سمعته".
فلا يعارض ما في "الصحيح" من صريح الهجران، ولا يدلّ على الرضا بذلك، ثم مع ذلك ففيه لفظة منكرة، وهي قول أبي بكر: "بل أهله"، فإنه معارض للحديث الصحيح أن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - لا يورث.
نعم، رَوَى البيهقيّ، من طريق الشعبيّ، أن أبا بكر عاد فاطمة، فقال لها عليّ: هذا أبو بكر يستأذن عليك، قالت: أتحب أن آذن له؟ قال: نعم، فأذِنَتْ له، فدخل عليها، فترضّاها حتى رضيت، وهو وإن كان مرسلًا، فإسناده إلى الشعبيّ صحيح، وبه يزول الإشكال في جواز تمادي فاطمة - عليها السلام - على هجر أبي بكر - رضي الله عنه -.
وقد قال بعض الأئمة: إنما كانت هجرتها انقباضًا عن لقائه، والاجتماع به، وليس ذلك من الهجران المحرَّم؛ لأن شرطه أن يلتقيا، فيُعْرِض هذا وهذا، وكأن فاطمة - عليها السلام - لمّا خرجت غضبى من عند أبي بكر تمادت في اشتغالها بحزنها، ثم بمرضها، وأما سبب غضبها مع احتجاج أبي بكر بالحديث المذكور، فلاعتقادها تأويل الحديث على خلاف ما تمسَّك به أبو بكر، وكأنها اعتقدت تخصيص العموم في قوله: "لا نورث"، ورأت أن منافع ما خلّفه من أرض، وعقار، لا يمتنع أن تورث عنه، وتمسَّك أبو بكر بالعموم، واختلفا في أمر مُحْتَمِل للتأويل، فلمّا صَمَّم على ذلك انقطعت عن الاجتماع به لذلك، فإن ثبت حديث الشعبيّ أزال الإشكال، وأَخْلِقْ بالأمر أن يكون كذلك؛ لِمَا عُلِم من وفور عقلها، ودينها - عليها السلام -.
وقد وقع في حديث أبي سلمة، عن أبي هريرة، عند الترمذيّ: "جاءت فاطمة إلى أبي بكر، فقالت: من يرثك؟ قال: أهلي، وولدي، قالت: فما لي