للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

من تفضيل الفرس على المسلم شبهة ضعيفة؛ لأنَّ السهام كلها في الحقيقة للرجل، وحجته رواية المقداد أنه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أعطاه يوم بدر سهمًا له، وسهمًا لفرسه، وجوابه أن ما سلف أكثر، فهو أولي، ولأنه متأخّر، فهو ينسخ المتقدّم، ذكره ابن التين. انتهى (١).

٢ - (ومنها): عناية الشرع بإعطاء كلّ ذي حقّ حقّه، فلما كان صاحب الفرس يتكلّف بمؤنة فرسه، بعلفه، وسقيه، ورعايته، فيزداد بذلك تعبه، مع أنه أكثر غناء في مواجهة العدوِّ من الراجل جعل له سهمين، حتى يعوّضه تعبه؛ إذ الثواب على قدر النصب.

٣ - (ومنها): أن فيه الحَضَّ على اكتساب الخيل، واتخاذها للغزو؛ لِمَا فيها من البركة، وإعلاء كلمة الله، وإعزاز حزبه، ولتعظم شوكة المسلمين بالخيل الكثير، كما قال تعالى: {وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ} [الأنفال: ٦٠]، والله تعالى أعلم.

(المسألة الرابعة): في اختلاف أهل العلم في سهم الفارس والراجل:

ذهب الجمهور إلى أنه يكون للراجل سهم واحد، وللفارس ثلاثة أسهم: سهمان بسبب فرسه، وسهم بسبب نفسه، وممن قال بهذا: ابنُ عباس، ومجاهد، والحسن، وابن سيرين، وعمر بن عبد العزيز، ومالك، والأوزاعيّ، والثوريّ، والليث، والشافعيّ، وأبو يوسف، ومحمد بن الحسن، وأحمد، وإسحاق، وأبو عبيد، وابن جرير، وآخرون.

وقال أبو حنيفة: للفارس سهمان فقط: سهم لها، وسهم له، قالوا: ولم يقل بقوله هذا أحد، إلَّا ما روي عن عليّ، وأبي موسى.

وحجة الجمهور هذا الحديث الصحيح، وهو صريح على رواية مَن رَوَى: "جعل للفرس سهمين، وللرجل سهمًا" بغير ألف في "الرجل"، وهي رواية الأكثرين، ومَن روى: "وللراجل" روايته مُحْتَمِلة، فيتعيّن حملها على موافقة الأولى؛ جمعًا بين الروايتين.

قال النوويّ - رَحِمَهُ اللهُ -: قال أصحابنا وغيرهم: وَيرْفع هذا الاحتمال ما وَرَد مُفَسَّرًا


(١) "التوضيح" لابن الملقّن - رَحِمَهُ اللهُ - ١٧/ ٥٣٤ - ٥٣٥.