في غير هذه الرواية، في حديث ابن عمر هذا من رواية أبي معاوية، وعبد الله بن نمير، وأبي أسامة، وغيرهم، بإسنادهم عنه:"أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أسهم لرجل، ولفرسه ثلاثة أسهم: سهم له، وسهمان لفرسه"، ومثله من رواية ابن عباس، وأبي عمرة الأنصاريّ - رضي الله عنهم -. انتهى (١).
وقال في "الفتح": وتمسَّك بظاهر الرواية المتقدّمة عند الدارقطنيّ، بلفظ:"أسهم للفارس سهمين" بعضُ مَن احتج لأبي حنيفة، في قوله: إن للفرس سهمًا واحدًا، ولراكبه سهم آخر، فيكون للفارس سهمان فقط، ولا حجة فيه؛ لِمَا ذكرنا، من أن المعنى: أسهم للفارس بسبب فرسه سهمين، غير سهمه المختصّ به.
واحتُجَّ له أيضًا بما أخرجه أبو داود، من حديث مُجَمِّع بن جارية - بالجيم، والتحتانية - في حديث طويل، في قصّة خيبر، قال:"فأعطى للفارس سهمين، وللراجل سهمًا"، وفي إسناده ضعف، ولو ثبت يُحْمَل على ما تقدم؛ لأنه يَحْتَمِل الأمرين، والجمع بين الروايتين أولي، ولا سيما والأسانيد الأُوَلُ أثبت، ومع رُواتها زيادة علم.
وأصرح من ذلك ما أخرجه أبو داود، من حديث أبي عمرة:"أن النبيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أعطى للفرس سهمين، ولكل إنسان سهمًا، فكان للفارس ثلاثة أسهم"، وللنسائيّ من حديث الزبير:"أن النبيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ضرب له أربعة أسهم: سهمين لفرسه، وسهمًا له، وسهمًا لقرابته".
قال محمد بن سحنون: انفرد أبو حنيفة بذلك دون فقهاء الأمصار، ونُقِل عنه أنه قال: أكره أن أفضل بهيمة على مسلم، وهي شُبهة ضعيفة؛ لأنَّ السهام في الحقيقة كلها للرجل. قال الحافظ: لو لَمْ يثبت الخبر، لكانت الشبهة قويّةً؛ لأنَّ المراد: المفاضلة بين الراجل والفارس، فلولا الفرس ما ازداد الفارس سهمين عن الراجل، فمن جعل للفارس سهمين، فقد سَوَّى بين الفرس وبين الرجل.
وقد تُعُقّب هذا أيضًا؛ لأنَّ الأصل عدم المساواة بين البهيمة والإنسان،