فلما خرج هذا عن الأصل بالمساواة، فلتكن المفاضلة كذلك.
وقد فَضّل الحنفية الدابة على الإنسان في بعض الإحكام، فقالوا: لو قَتَل كلبَ صَيْد قيمته أكثر من عشرة آلاف أدّاها، فإن قتل عبدًا مسلمًا لَمْ يؤد فيه إلَّا دون عشرة آلاف درهم، والحقّ أن الاعتماد في ذلك على الخبر، ولم ينفرد أبو حنيفة بما قال، فقد جاء عن عمر، وعليّ، وأبي موسى، لكن الثابت عن عمر، وعليّ؛ كالجمهور.
واستُدِلّ للجمهور من حيث المعنى بأن الفرس يحتاج إلى مؤنة؛ لخدمتها، وعَلفها، وبأنه يحصل بها من الغنى في الحرب ما لا يخفى. انتهى (١).
قال الجامع عفا الله عنه: قد تبيّن بما سبق من الأقوال، وحججها أن الصحيح ما ذهب إليه الجمهور من أن للفارس ثلاثة أسهم: سهمان لفرسه، وسهم له، وللراجل سهم واحد؛ لوضوح أدلّته، فتأمل بالإنصاف، والله تعالى أعلم.
[تنبيه]: زاد البخاريّ في آخر هذا الحديث ما نصّه: وقال مالك: يُسهم للخيل، والبراذين منها، لقوله تعالى:{وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا}[النحل: ٨]، ولا يُسهم لأكثر من فرس. انتهى.
قال في "الفتح": قوله: "وقال مالك: يُسهَم للخيل والبراذين": جَمْع بِرْذَون - بكسر الموحّدة، وسكون الراء، وفتح المعجمة - والمراد: الْجُفاة الْخِلْقة، من الخيل، وأكثر ما تُجْلَب من بلاد الروم، ولها جَلَدٌ على السير في الشعاب، والجبال، والوعر، بخلاف الخيل العربية.
وقوله:"لقوله تعالى: {وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا} ": قال ابن بطال: وجه الاحتجاج بالآية، أن الله تعالى امْتَنّ بركوب الخيل، وقد أسهم لها رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، واسم الخيل يقع على البرذون، والْهَجِين، بخلاف البغال، والحمير، وكأن الآية استوعبت ما يُرْكَب من هذا الجنس؛ لِمَا يقتضيه الامتنان، فلمّا لَمْ يَنُصّ على البرذون، والهجين فيها دلّ على دخولها في الخيل.