للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وذلك: أنهم نقضوا ما بينهم وبين النبيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من العهد، ومالؤوا عليه قريشًا، وقاتلوه، وسبُّوه أقبح سبٍّ، فاستحقوا ذلك - لعنهم الله -، فلمّا حكم فيهم سعد بذلك، أخبره بأنه قد أصاب فيهم حكم الله؛ تنويهًا به، وإخبارًا بفضيلته، وانشراح صدره، وردعًا للقوم الذين سألوا رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في أن يتركهم، وأن يُحسن فيهم، فإنهم كانوا حلفاءهم، فلما جعل رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حكمهم إلى سعد انطلق مواليهم إلى سعد، فكلموه في ذلك، وقالوا له: أحسن في مواليك، فلما أكثروا عليه، قال: أما إنه قد آن لسعد ألا تأخذه في الله لومة لائم، فلما سمعوا ذلك يئسوا مما طلبوا منه، وعَزّى بعضهم بعضًا في بني قريظة.

قال: ومن ها هنا تظهر خصوصية سعد بقوله: "قوموا إلى سيدكم"، وإن الأَولى أنه إنما قال ذلك لقومه خاصة دون غيرهم؛ لأنَّ قومه كلهم مالوا إلى إبقاء بني قريظة، والعفو عنهم، إلَّا ما كان منه - رضي الله عنه -، لا جرم لما مات اهتز له عرش الرَّحمن، وسيأتي بيان معناه، إن شاء الله تعالى.

وفيه دليل لمذهب مالك في تصويب أحد المجتهدين، وأن لله في الوقائع حُكْمًا معيَّنًا، فمن أصابه فهو المصيب، ومن لَمْ يُصبه، فهو المخطيء، لكنه لا إثم عليه إذا اجتهد، وقد تقدَّم هذا المعنى.

وغاية ما في هذا الحديث: أن بعض الوقائع فيها حكم معيَّن لله، لكن من أين يلزم منه أن يكون حكم كلّ واقعة كذلك؟ بل يقال: إنها منقسمة إلى ما لله فيه حكم معيَّن، ومنها ما ليس لله فيه ذلك، وتكميل ذلك في علم الأصول. انتهى (١).

قال الجامع عفا الله عنه: قوله: "بل يقال: إنها منقسمة … إلخ" هذا فيه نَظَر لا يَخفى، بل الصواب أن لله تعالى حكمًا معيّنًا في كلّ واقعة، من أصابه له أجران، ومن أخطأه لَمْ يأثم إذا بذل اجتهاده، بل يثاب أجرًا واحدًا على اجتهاده، وقد استوفيت البحث في هذا في "التحفة المرضيّة"، و"شرحها" في الأصول، فراجعهما، تستفد علمًا جمًّا، وبالله تعالى التوفيق.

(قَالَ) أبو سعيد - رضي الله عنه - (فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "قَضَيْتَ بِحُكْمِ اللهِ) - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - (وَرُبَّمَا


(١) "المفهم" ٣/ ٥٩٤ - ٥٩٥.