أخرجه الطبرانيّ في "الأوسط" عن أنس - رضي الله عنه - قال:"إنما هَلَك مَن كان قبلكم بأنهم عَظَّموا ملوكهم، بأن قاموا، وهم قعود".
ثم حَكَى المنذريّ قول الطبريّ، وإنه قَصَر النهي على مَن سَرَّه القيام له؛ لِمَا في ذلك من محبة التعاظم، ورؤية منزلة نفسه، وسيأتي ترجيح النوويّ لهذا القول.
ثم نَقَل المنذريّ عن بعض مَن مَنَع ذلك مطلقًا أنه رَدّ الحجة بقصّة سعد بأنه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنما أمرهم بالقيام لسعد؛ لينزلوه عن الحمار؛ لكونه كان مريضًا، قال: وفي ذلك نظرٌ.
قال الحافظ: كأنه لَمْ يقف على مستند هذا القائل، وقد وقع في مسند عائشة - رضي الله عنها - عند أحمد، من طريق علقمة بن وقاص، عنها، في قصّة غزوة بني قريظة، وقصّة سعد بن معاذ، ومجيئه مطوّلًا، وفيه: قال أبو سعيد: فلما طَلَع، قال النبيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "قوموا إلى سيدكم، فأنزلوه"، وسنده حسن، وهذه الزيادة تَخْدُش في الاستدلال بقصة سعد على مشروعية القيام المتنازع فيه.
وقد احتَجّ به النوويّ في "كتاب القيام"، ونَقَل عن البخاريّ، ومسلم، وأبي داود، أنهم احتجُّوا به، ولفظ مسلم: لا أعلم في قيام الرجل للرجل حديثًا أصحّ من هذا.
وقد اعتَرَض عليه الشيخ أبو عبد الله ابن الحاج، فقال ما ملخصه: لو كان القيام المأمور به لسعد هو المتنازع فيه، لَمَا خَصّ به الأنصار، فإن الأصل في أفعال القُرَب التعميم، ولو كان القيام لسعد على سبيل البرّ والإكرام، لكان هو - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أوّل من فعله، وأمر به من حضر، من أكابر الصحابة - رضي الله عنهم -، فلما لَمْ يأمر به، ولا فَعَله، ولا فعلوه دلّ ذلك على أنَّ الأمر بالقيام لغير ما وقع فيه النزاع، وإنما هو ليُنزلوه عن دابته؛ لِمَا كان فيه من المرض، كما جاء في بعض الروايات، ولأن عادة العرب أن القبيلة تخدُم كبيرها، فلذلك خَصّ الأنصار بذلك، دون المهاجرين، مع أن المراد بعض الأنصار، لا كلهم، وهم الأوس منهم؛ لأنَّ سعد بن معاذ كان سيدهم، دون الخزرج، وعلى تقدير تسليم أن القيام المأمور به حينئذ لَمْ يكن للإعانة، فليس هو المتنازَع فيه، بل لأنه غائب قَدِمَ، والقيام للغائب إذا قَدِم مشروع.