كلّ أمر نَدَبَ الشرع المكفَفَ بالمشي إليه، فتأخر حتى قَدِم المأمور لأجله، فالقيام إليه يكون عوضًا عن المشي الذي فات.
واحتجّ النووي أيضًا بقيام طلحة لكعب بن مالك.
وأجاب ابن الحاجّ بأن طلحة إنما قام لتهنئته، ومصافحته، ولذلك لم يحتجّ به البخاريّ للقيام، وإنما أورده في المصافحة، ولو كان قيامه محل النزاع لَمَا انفرد به، فلم يُنْقَل أن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - قام له، ولا أمَر به، ولا فعله أحد ممن حضر، وإنما انفرد طلحة؛ لقوة المودّة بينهما على ما جرت به العادة أن التهنئة، والبشارة، ونحو ذلك تكون على قدر المودّة، والْخُلْطة، بخلاف السلام، فإنه مشروع على من عَرَفْتَ، ومن لم تَعْرف، والتفاوت في المودّة يقع بسبب التفاوت في الحقوق، وهو أمر معهود.
قال الحافظ: ويَحْتَمِل أن يكون من كان لكعب عنده من المودّة مثل ما عند طلحة لم يَطّلع على وقوع الرضا عن كعب، واطَّلَع عليه طلحة؛ لأن ذلك عَقِب منع الناس من كلامه مطلقًا، وفي قول كعب: لم يقم إليّ من المهاجرين غيره إشارة إلى أنه قام إليه غيره من الأنصار.
ثم قال ابن الحاجّ: وإذا حُمِل فِعل طلحة على محل النزاع لزم أن يكون مَن حَضَر من المهاجرين قد تَرَك المندوب، ولا يُظَنّ بهم ذلك.
واحتجّ النوويّ بحديث عائشة - رضي الله عنها - المتقدم في حق فاطمة.
وأجاب عنه ابن الحاجّ باحتمال أن يكون القيام لها لأجل إجلاسها في مكانه؛ إكرامًا لها، لا على وجه القيام المتنازَع فيه، ولا سيّما ما عُرِف من ضِيْق بيوتهم، وقِلّة الفُرُش فيها، فكانت إرادة إجلاسه لها في موضعه مستلزمة لقيامه، وأمعن في بسط ذلك.
واحتجّ النووي أيضًا بما أخرجه أبو داود:"أن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - كان جالسًا يومًا، فأقبل أبوه من الرضاعة، فوضع له بعض ثوبه، فجلس عليه، ثم أقبلت أمه، فوضع لها شِقّ ثوبه من الجانب الآخر، ثم أقبل أخوه من الرضاعة، فقام، فأجلسه بين يديه".
واعترضه ابن الحاجّ بأن هذا القيام لو كان محل النزاع لكان الوالدان أولى به من الأخ، وإنما قام للأخ إما لأن يوسع له في الرداء، أو في المجلس.