القيام ما احتاج أحد أن يقوم لمن يَحرُم إكرامه، أو يُكره، بل جرّ ذلك إلى ارتكاب النهي؛ لِمَا صار يترتب على الترك من الشرّ.
وفي الجملة متى صار ترك القيام يُشعر بالاستهانة، أو يترتب عليه مفسدة امتَنَعَ، وإلى ذلك أشار ابن عبد السلام.
ونقل ابن كثير في "تفسيره" عن بعض المحققين التفصيل فيه، فقال: المحذور أن يُتَّخَذ ديدنًا، كعادة الأعاجم، كما دلّ عليه حديث أنس - رضي الله عنه -، وأما إن كان لقادم من سفر، أو لحاكم في محل ولايته، فلا بأس به.
قال الحافظ: ويلتحق بذلك ما تقدم في أجوبة ابن الحاج؛ كالتهنئة لمن حدثت له نعمة، أو لإعانة العاجز، أو لتوسيع المجلس، أو غير ذلك، والله أعلم.
وقد قال الغزاليّ: القيام على سبيل الإعظام مكروه، وعلى سبيل الإكرام لا يُكره، وهذا تفصيل حسن. انتهى كلام الحافظ رَحِمَهُ اللهُ في "الفتح"(١).
قال الجامع عفا الله عنه: هذا البحث الطويل من الحافظ رَحِمَهُ اللهُ بحث نفيسٌ، وتحقيق أنيسٌ، ولقد أجاد رَحِمَهُ اللهُ حيث ساق ردود ابن الحاجّ على النوويّ حيث كتب رسالة في مشروعيّة القيام، فأقرّ رُدوده كلّها، بل زاد جوابات فيما قصّر فيه في الردّ عليه، كما سبق لك بيان ذلك كلّه في كلامه.
وخلاصة هذا كلّه: أن القيام للإنسان مشروع إذا كان القصد حسنًا؛ كان يقوم لاستقبال قادم من سفر، أو لتهنئة شخص بحدوث نعمة، أو دفع نقمة، أو تعزيته على مصيبة، أو لإعانته، بأن كان عاجزًا، أو لتوسعة مجلس له، أو نحو ذلك من المقاصد الحسنة، وما عدا ذلك فليس مشروعًا، فتأمّله بالإنصاف، والإمعان، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
وبالسند المتصل إلى المؤلّف رَحِمَهُ اللهُ أوَّل الكتاب قال:
[٤٥٨٧]( … ) - (وَحَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، عَنْ شُعْبَةَ، بِهَذَا الإِسْنَاد، وَقَالَ فِي حَدِيثِهِ: فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "لَقَدْ حَكَمْتَ فِيهِمْ بِحُكْمِ اللهِ"، وَقَالَ مَرَّةً:"لَقَدْ حَكَمْتَ بِحُكْمِ الْمَلِكِ").
(١) "الفتح" ١٤/ ٢٠٤ - ٢١١ كتاب "الاستئذان" رقم (٦٢٦٢).