كان أحقّ به، وأقرب منه منزلةً، كان أقلّ توقيرًا له ممن بَعُدَ؛ لأجل الأُنس، وكمال الوُدّ، والواقع في صحيح الأخبار خلاف ذلك، كما وقع في قصة السهو:"وفي القوم أبو بكر، وعمر، فهابا أن يكلماه"، وقد كلمه ذو اليدين، مع بُعد منزلته منه بالنسبة إلى أبي بكر وعمر، قال: ويلزم على هذا أن خواصّ العالم والكبير والرئيس لا يعظمونه، ولا يوقرونه، لا بالقيام، ولا بغيره، بخلاف من بَعُد منه، وهذا خلاف ما عليه عمل السلف والخلف. انتهى كلامه.
وقال النوويّ في الجواب عن حديث معاوية: إن الأصح، والأَولى، بل الذي لا حاجة إلى ما سواه أن معناه: زجرُ المكلَّف أن يحب قيام الناس له، قال: وليس فيه تعرّض للقيام بنهي ولا غيره، وهذا متفق عليه، قال: والمنهي عنه محبة القيام، فلو لم يخطر بباله، فقاموا له، أو لم يقوموا فلا لوم عليه، فإن أحبّ ارتكب التحريم، سواء قاموا، أو لم يقوموا، قال: فلا يصح الاحتجاج به لترك القيام.
فإن قيل: فالقيام سبب للوقوع في المنهيّ عنه.
قلنا: هذا فاسدٌ؛ لأنّا قَدَّمنا أن الوقوع في المنهي عنه يتعلق بالمحبة خاصّةً. انتهى ملخصًا.
قال الحافظ: ولا يخفى ما فيه، واعترضه ابن الحاجّ بأن الصحابيّ الذي تلقّى ذلك من صاحب الشرع قد فَهِمَ منه النهي عن القيام الموقِع للذي يقام له في المحذور، فَصَوَّب فعل من امتنع من القيام، دون من قام، وأقرّوه على ذلك، وكذا قال ابن القيِّم في "حواشي السنن": في سياق حديث معاوية رَدٌّ على من زعم أن النهي إنما هو في حقّ من يقوم الرجال بحضرته؛ لأن معاوية إنما روى الحديث حين خرج، فقاموا له.
ثم ذكر ابن الحاجّ من المفاسد التي تترتب على استعمال القيام أن الشخص صار لا يتمكن فيه من التفصيل بين مَن يُستَحَبّ إكرامه، وبرّه، كأهل الدِّين، والخير، والعلم، أو يجوز؛ كالمستورين، وبين من لا يجوز؛ كالظالم المعلِن بالظلم، أو يُكره، كمن لا يتصف بالعدالة، وله جاه، فلولا اعتياد