واعترضه ابن الحاجّ بأنه كان بسبب الذبّ عنه في تلك الحالة من أذى من يَقْرُب منه، من المشركين، فليس هو من محل النزاع.
ثم ذكر النوويّ حديث معاوية، وحديث أبي أمامة المتقدِّمَين، وقَدَّم قبل ذلك ما أخرجه الترمذيّ، عن أنس - رضي الله عنه - قال:"لم يكن شخصٌ أحبّ إليهم من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وكانوا إذا رأوه لم يقوموا؛ لِمَا يعلمون من كراهيته لذلك"، قال الترمذيّ: حسنٌ صحيحٌ غريب، وترجم له:"باب كراهية قيام الرجل للرجل"، وترجم لحديث معاوية:"باب كراهية القيام للناس"، قال النوويّ: وحديث أنس أقرب ما يُحتجّ به.
والجواب عنه من وجهين: أحدهما: أنه خاف عليهم الفتنة، إذا أفرطوا في تعظيمه، فكَرِه قيامهم له؛ لهذا المعنى، كما قال:"لا تُطروني"، ولم يكره قيام بعضهم لبعض، فإنه قد قام لبعضهم، وقاموا لغيره بحضرته، فلم يُنكر عليهم، بل أقرّه، وأَمر به.
ثانيهما: أنه كان بينه وبين أصحابه من الأُنس، وكمال الودّ والصفاء ما لا يَحْتَمِل زيادةً بالإكرام بالقيام، فلم يكن في القيام مقصود، وإن فُرض للإنسان صاحب بهذه الحالة لم يَحتج إلى القيام.
واعترض ابن الحاجّ بأنه لا يتم الجواب الأول، إلا لو سَلَّم أن الصحابة لم يكونوا يقومون لأحد أصلًا، فإذا خصّوه بالقيام له دخل في الإطراء، لكنه قرّر أنهم يفعلون ذلك لغيره، فكيف يَسُوغ لهم أن يفعلوا مع غيره ما لا يُؤمَن معه الإطراء، ويتركوه في حقه؟ فإن كان فِعْلهم ذلك للإكرام، فهو أَولى بالإكرام؛ لأن المنصوص على الأمر بتوقيره فوق غيره، فالظاهر أن قيامهم لغيره إنما كان لضرورة قدوم، أو تهنئة، أو نحو ذلك، من الأسباب المتقدمة، لا على صورة محل النزاع، وأن كراهته لذلك، إنما هي في صورة محل النزاع، أو للمعنى المذموم في حديث معاوية.
قال: والجواب عن الثاني أنه لو عَكَس، فقال: إن كان الصاحب لم تتأكد صحبته له، ولا عُرف قدره فهو معذور بترك القيام، بخلاف من تأكدت صحبته له، وعظمت منزلته منه، وعُرف مقداره، لكان متجهًا، فإنه يتأكد في حقه مزيد البر والإكرام والتوقير، أكثر من غيره، قال: ويلزم على قوله أن مَن