للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

بعد أن كاد يبرأ جرحه. (أَنْ لَيْسَ) "أن" مخفّفة من الثقيلة، واسمها ضمير الشأن محذوفًا، وخبرها جملة: "ليس أحد أحبَّ … إلخ"، وإلى هذا أشار ابن مالك في "الخلاصة" بقوله:

وَإِنْ تُخَفَفْ "أَنَّ" فَاسْمُهَا اسْتَكَنْ … وَالْخَبَرَ اجَعَلْ جُمْلَةً مِنْ بَعْدِ "أَنْ"

وَإِنْ يَكُنْ فِعْلًا وَلَمْ يَكُنْ دُعَا … وَلَمْ يَكُنْ تَصْرِيفُهُ مُمْتَنِعَا

فَالأَحْسَنُ الْفَصْلُ بِـ "قَدْ" أَوْ نَفْيٍ … أوْ تَنْفِيسٍ أوْ "لَوْ"، وقَلِيلٌ ذِكْرُ "لَوْ"

ووقع في بعض النسخ بلفظ: (أنه ليس) وعليه فالنون مشدّدة، وقوله: (أَحَدٌ) بالرفع على أنه اسم "ليس"، قال الفيّوميّ: "أَحَدٌ" أصله وَحَدٌ، فأُبدلت الواو همزة، ويقع على الذكر والأنثى، وفي التنزيل: {يَانِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ} الآية [الأحزاب: ٣٢]، ويكون بمعنى "شيءٍ"، وعليه قراءة ابن مسعود - رضي الله عنه -: (وإن فاتكم أحدٌ من أزواجكم) الآية؛ أي: شيء. انتهى (١).

قال الجامع عفا الله عنه: المناسب هنا كونه بمعنى "شيءٌ"، والله تعالى أعلم.

وقوله: (أَحَبَّ اِلَيَّ) بنص "أَحَبَّ" على أنه خبر "ليس".

وقوله: (أَنْ أُجَاهِدَ فِيكَ) "أن" مصدريّة، والمصدر المؤوّل مجرور بـ "من" المقدّر؛ أي: من مجاهدتي فيك؛ أي: في إعلاء كلمتك، وقوله: (مِنْ قَوْمٍ) صلة "أحبّ"، (كَذَّبُوا رَسُولَكَ - صلى الله عليه وسلم -، وَأَخْرَجُوهُ)؛ أي: من مكة، وهم كفّار قريش، (اللَّهُمَّ) كرَّره للتأكيد، (فَإِنْ كَانَ بَقِيَ مِنْ حَرْبٍ قُرَيْشٍ شَيْءٌ، فَأَبْقِنِي)؛ أي: أَطِلْ عمري، ولفظ البخاريّ: "فأبقني له"؛ أي: للحرب، وفي رواية الكشميهنيّ: "فأبقني لهم"، (أُجَاهِدْهُمْ فِيكَ) بجزم "أجاهد" على أنه جواب الأمر، كما قال في "الخلاصة":

وَبَعْدَ غَيْرِ النَّفْي جَزْمًا اعْتَمِدْ … إِنْ تَسْقُطِ الْفَا وَالْجَزَاءُ قَدْ قُصِدْ

وقد اختلفوا في جازمه على أقوال قد ذُكرت في محلّها.

(اللَّهُمَّ فَإِنِّي أَظُنُّ أَنَّكَ قَدْ وَضَعْتَ)؛ أي: أسقطتَ (الْحَرْبَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ)؛ أي: وبين قريش.


(١) "المصباح المنير" ٢/ ٦٥٠.