للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

قال في "الفتح": قال بعض الشراح: ولم يُصِب في هذا الظنّ؛ لِمَا وقع من الحروب في الغزوات بعد ذلك، قال: فيُحْمَل على أنه دعا بذلك، فلم تقع الإجابة، وادُّخِر له ما هو أفضل من ذلك، كما ثبتٌ في الحديث الآخر في دعاء المؤمن، أو أنّ سعدًا أراد بوضع الحرب؛ أي: في تلك الغزوة الخاصّة، لا فيما بعدها.

وذكر ابن التين عن الداوديّ أن الضمير لقريظة، قال ابن التين: وهو بعيد جدًّا؛ لنصّه على قريش.

وقال الحافظ: إن قوله: "من قوم كذّبوا رسولك، وأخرجوه"، مختصّ بقريش؛ لأنهم الذين أخرجوه، وأما قُريظة فلا (١)، قال: والذي يظهر لي أن ظنّ سعد - رضي الله عنه - كان مصيبًا، وأن دعاءه في هذه القصّة كان مجابًا، وذلك أنه لم يقع بين المسلمين وبين قريش من بعد وقعة الخندق حرب يكون ابتداءًا لقصدُ فيها من المشركين، فإنه - صلى الله عليه وسلم - تجهّز إلى العمرة، فصدّوه عن دخول مكة، وكاد الحرب أن يقع بينهم، فلم يقع، كما قال تعالى: {وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ} الآية [الفتح: ٢٤]، ثم وقعت الْهُدْنة، واعتمر - صلى الله عليه وسلم - من قابل، واستمرّ ذلك إلى أن نَقَضُوا العهد، فتوجه إليهم غازيًا، ففُتِحَت مكةُ، فعلى هذا فالمراد بقوله: "أظن أنك وضعت الحرب"؛ أي: أن يقصدونا محاربين، وهو كقوله - صلى الله عليه وسلم - في الحديث الآخر: "الآنَ نغزوهم، ولا يغزوننا" (٢). انتهى (٣).

(فَإِنْ كُنْتَ وَضَعْتَ الْحَرْبَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ، فَافْجُرْهَا)؛ أي: شُقّ الجراحةَ، وهو بوصل الهمزة، وضمّ الجيم، من فَجَرَ يَفْجُرُ، يقال: فَجَر الرجلُ القَنَاةَ فَجْرًا، من باب قَتَلَ: شقّها، وفَجَرَ الماءَ: فَتَحَ له طريقًا، فانفجر؛ أي:


(١) راجع: "الفتح" ٨/ ٦٧١، كتاب "مناقب الأنصار" رقم (٣٩٠١).
(٢) هو ما أخرجه البخاريّ في "صحيحه" (٤/ ١٥٠٩) من حديث سليمان بن صرد - رضي الله عنه -: سمعت النبيّ - صلى الله عليه وسلم - يقول حين أجلى الأحزاب عنه: "الآن نغزوهم، ولا يغزوننا، نحن نسير إليهم"، والحديث انفرد به البخاريّ.
(٣) "الفتح" ٩/ ٢١٧ - ٢١٨، كتاب "المغازي" رقم (٤١٢٢).