فالذي يظهر من تغاير اللفظين أن عبد الله بن محمد بن أسماء شيخ الشيخين فيه لَمّا حدّث به البخاريّ حدّث به على هذا اللفظ، ولمّا حدّث به الباقين حدّثهم به على اللفظ الأخير، وهو اللفظ الذي حدّث به جويرية بدليل موافقة أبي عِتبان له عليه، بخلاف اللفظ الذي حدّث به البخاريّ، أو أن البخاريّ كتبه من حفظه، ولم يراع اللفظ، كما عُرِف من مذهبه في تجويز ذلك، بخلاف مسلم، فإنه يحافظ على اللفظ كثيرًا، وإنما لم أجوِّز عكسه؛ لموافقة من وافق مسلمًا على لفظه، بخلاف البخاريّ، لكن موافقة أبي حفص السلمي له تؤيِّد الاحتمال الأول.
وهذا كله من حيث حديث ابن عمر، أما بالنظر إلى حديث غيره، فالاحتمالان المتقدمان في كونه قال الظهر لطائفة، والعصر لطائفة مُتَّجِهٌ، فَيَحْتَمِل أن تكون رواية الظهر هي التي سمعها ابن عمر، ورواية العصر هي التي سمعها كعب بن مالك وعائشة، والله أعلم. انتهى، وهو بحث نفيسٌ جدًّا، والله أعلم.
(إِلَّا فِي بَنِي قُرَيْظَةَ)؛ أي: إلا في قريتهم. (فَتَخَوَّفَ نَاسٌ فَوْتَ الْوَقْتِ)؛ أي: وقت صلاة العصر، (فَصَلَّوْا) بفتح اللام المشدّدة، فما وقع في بعض النسخ من ضَبْطه بالقلم بضمّ اللام فغَلَط؛ لأنه حينئذ يكون فعل أمْر، والمراد هنا: فعل الماضي، وأصله: صَلَّيُوا بوزن عَلَمُوا وكَلّموا، فقُلبت الياء ألفًا؛ لتحرّكها، وانفتاح ما قبلها، ثم حُذفت؛ لالتقاء الساكنين، فبقي: صَلَّوْا، بفتح اللام، وأما فعل الأمر، فهو صلُّوا بضمّ اللام المشدّدة، وأصله: صَلِّيُوا بكسر اللام، وضمّ الياء، بوزن عَلِّمُوا، وكَلِّموا، فنُقلت ضمّة الياء، إلى اللام، ثمّ حُذِفَت لالتقاء الساكنين، فصار: صلُّوا بضمّ اللام بالضمة التي نُقلت إليها، فتنبّه، والله تعالى أعلم.
(دُونَ بَنِي قُرَيْظَةَ)؛ أي: قبل الوصول إليهم، وذلك تقديمًا للأهمّ، حسبما اعتقدوه، فإنهم ظنّوا أنه - صلى الله عليه وسلم - إنما قال لهم:"لا يصلّيَنّ … إلخ"؛ حثًّا على سرعة الخروج إليهم، ومواصلة المسير بلا انقطاع، ولا فتور، لا قصدًا لتفويت الصلاة.